لينا هويان الحسن: أعتذر عن القسوة، لكنها الحل أمام التفاهة..

4 يونيو 2023

حاورها: هاني نديم

ألا هبّي بصحنك فاصبحينا.. ولا تُبقي خمور الأندرينا..

هكذا تبدأ معلقة الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم، حيث عرفت منطقة الأندرين بأجود أنواع الخمور، وعرفت بالروائية السورية لينا هويان الحسن مثلما عرفت لينا بها. 

لينا هويان الحسن روائية من نوع خاص. معجمها فريد لا يتكئ على مفردات دخيلة ولا يستحضر إلا ما رأته الراوية وأصخت إليه من حكايا شعبية وقصص الجدات لتقدمه بخلطة سحرية وسرد ممتزج بالأسطرة. من هنا كانت خصوصية الحسن التي عبرت من خلال رواياتها الغارقة بالمحلية، نحو لغات وأماكن أخرى.

البحث عن الصقر غنّام، بنات نعش، سلطانات الرمال، الذئاب لا تنسى، بعض عناوين رواياتها التي تشير إلى مناخات لينا هويان وأماكن حفرها السردي. التقيتها في دردشة سريعة وأنا ما زلت تحت وطأة روايتها الأخيرة “حاكمة القلعتين”. سألتها:

  • أميرة من أميرات البادية.. حكاياك رواياتك شكلك وأناقتك.. هل هذه الخصوصية جاءت من الأدب أم أن أدبك جاء من تلك الخصوصية؟ حدثيني عن الهوية والمنبت الأول.

-تفتنني عبارة: (المنبت الأوّل) هو منبت واحد، ليس هناك بعده شيء. جذرنا، نحن نتاج علاقتنا بالتربة التي ولدنا منها والدماء التي سقتها. أنا من صنف البشر الذين يثقون باللامرئي، بالأرواح، لولا الروح لما كانت حضارة. الروح هي معرفة، أعيش هذه الحياة وعشتُ قبلها عدة مرّات، وسأعيش مجدًدا.

كما ترى لا مجال لسحبي إلى العالم الحقيقي. أعيش الحياة كحلم مثير وجميل ولذيذ. أستمتع بمِنح القدر وأتفهم امتحاناته الصعبة. لكل شيء سر، أثق بالأسرار والخبايا والغوامض وأقدسها لأنها متاحة للقلّة. ملامح وجهي هي منتقاة من الأسلاف، تمامًا مثل أفكاري وطباعي، أما مظهري فقد أذعن لأهوائي. كنتُ دائمًا مغرمة بالأفلام وحتى اليوم تزدحم جدران بيتي بصور لكلينت ايستوود وآلان ديلون وباردو ومارلين ديتريش. شكلي هو نسخة عن حلم طفلة أرادت أن تعيش في فيلم سينمائي قديم.

أعجبتُ دائمًا بآفا غاردنر وفاي دونواي وكاترين دنوف لكن ديتريش (امرأة تقف خارج الزمن) كما وصفها همنغواي. ربما لهذا اخترت “لوك” أشقر ولم أخضع ملامحي للموضة السائدة. نساء اليوم مصنّعات بمعمل واحد، وبقباحة لامثيل لها. بل أكثر من ذلك أرى موضة “حنك” تكساس ملمح مقرف، وتاتو الحواجب تهريجي، أمّا العدسات اللاصقة الملونة فهي عار لكل أنثى تقع في هذا الفخ، وخصل الشعر المستعارة، هي قاع البؤس واعتراف المرأة بالهزيمة. أعتذر عن القسوة، لكنها الحل أمام التفاهة.

أذعن مظهري لأهوائي.. شكلي هو نسخة عن حلم طفلة أرادت أن تعيش في فيلم سينمائي

 

  • الجوائز والرواية، كيف تصفين الأمر وكيف أثر على بنيوية الرواية العربية؟

– أكتبُ بروح طفل يستمتع بلعبته بغض النظر عن النتيجة. الأدب، تنوّر، واتصال روحي وشاعري بالحياة كلها. الأدب، سؤال لا ينتظر جواب. هنالك فرق كبير بين التنافس والصراع. لايجب أن يكون الأدب مشكلة، إنما حل.

بصراحة؛ أنا لا أنافس أحد، ولا تدهشني أيّة نتيجة. لقد شكلت الجوائز حوافز حقيقية وجادة للكتابة، بالنسبة لي مسألة أن أكتب هي مسألة وجود. الكتابة بالنسبة لي لقاء غرامي مفتوح مع الحياة. والأدب هو غرقٌ في الصمت والإصغاء للعالم كما لو أنه معروفة موسيقية.

لأدب، سؤال لا ينتظر جواب. هنالك فرق كبير بين التنافس والصراع. لايجب أن يكون الأدب مشكلة، إنما حلّ

  •  *هل أسألك عن الناشرين أم عن القراء؟ عن الاثنين! كيف ترين عالم النشر في العالم العربي ومن هم قراؤك؟

– القارئ، هو العملة الذهبية التي تثري الكاتب. لا وجود للكاتب دون قرّاء. العلاقة مع القارئ واضحة كالحب، إمّا أن تحدث شرارة الفتنة من اللحظة الاولى أو لا! وأنا حصلتُ على ( قصة الحب الجارف) مع صدور سلطانات الرمل في دمشق 2009. أولًا أحبت الناشرة إلهام عدوان رحمها الله، الرواية في مسودتها الأولى. طبعت الرواية للمرة الثانية خلال ستة أشهر، من صدورها. واليوم طبعت ثماني مرات في دول عربية مختلفة، واليوم أحضر لثلاث طبعات جديدة لسلطانات الرمل، وبعدها تلتها روايتي نازك خانم في تأجيج شرارة الحب . . هكذا الأمر إمّا أن يحبك القارئ أو ، لا!؟ دون أي تفسير. لهذا طبعت أعمالي في طبعات محلية خاصة مثل مدينة طنجة في المغرب، والجزائر والقاهرة. . أكثر قرّائي هم من العراق والجزائر. كما أنني منحت دار نينوى الدمشقية الحق بطبعات محلية لتتوفر لأبناء وطني، بأسعار معقولة، لأتجنب رداءة النسخ المقرصنة. اذا تحدثنا عن النشر لابد القول أن الناشر (اللبناني) متفوق بمهنته، تحديدًا في مجال نشر الروايات. وأثق بالناشر الفردي أكثر من المؤسسات الضخمة.

قد يعجبك ايضا