10 سبتمبر 2023
سامح محجوب – نص خبر
وكان أن وصل صيت الفتى الفذ القاهرة وحرص كل من يذهب الى الأسكندرية أن يبحث عنه ويسمعه ويلتقيه ومن هؤلاء الشيخ سلامة حجازي أحد الكبار فى ذلك التوقيت بل وأحد من كان يردد سيد درويش ألحانه وأغانيه قبل أن يلتقيه، وكان اللقاء المرتقب بين الكبير ومن سيصبح كبير الكبراء بعد ذلك ، وأقنع سلامة حجازي سيد درويش بضرورة الانتقال للقاهرة. ليقدمه على مسرحه، وفعلاً حضر سيد درويش وقدمه سلامة حجازي للجمهور بين فصول الرواية التي كانت تمثلها فرقته وغنى سيد درويش من ألحانه غناءً لم يكن مألوفاً وقتها، لكنه كان قريبًا من روح الناس الأمر الذي سهل له مهمة الوصول السريع لكل من لم بجدوا نفسهم فى موسيقى الغرف المغلقة فى قصور البشوات والبهلوات ويخرج سلامة حجازي من وراء الستار ليقول للناس ان هذا الفتى (وكان عمره قرابة العشرين) هو عبقري المستقبل!
وانخرط درويش فى الحياة التي لم تعطه نفسها دفعة واحدة قبل أن تضعه فى شراك عديدة نجا منها جميعًا بإيمانه المطلق بقوة الفن وجبروت الصوت والوتر على تثوير الإنسان وخلقه من جديد وازداد يقينه بفنه عندما وجده فى فم الناس أينما حلّ ورحل.

وجاءت ثورة 19 ووجد سيد درويش نفسه بلا أي مقدمات قائدًا شعبيًا لها بأغانيه وأناشيده “بلادي بلادي لك حبي وفؤادي “قوم يا مصري مصر دايما بتناديك – أنا المصري كريم العنصرين بنيت المجد بين الإهرامين” وغيرها من الأغاني التي قدت مضجع المحتل الإنجليزي وهزت جدران قصر الملك فؤاد ووجد المصريون أنفسهم للمرة الأولى فى موسيقى يعرفونها ويشمونها رائحتها وينشون بحوارها فى الشوارع والحارات موسيقى تشبه وجوههم وأحزانهم وعرقهم موسيقى ترتدي الجلباب وتركب الحافلات وتنادي على الروبابيكيا.
ولم يكتف سيد درويش برسائله السياسية المباشرة من خلال أغانيه بل انطلق ورفيق دربه الشاعر بديع خيري مؤلف معظم أغانيه وقدما مجموعة المسرحيات منها على سبيل المثال مسرحية بعنوان “قولو له”، قدما من خلالها عددًا من الأغنيات الوطنية من بينها أغنية “بنت مصر” التي نددت باستشهاد أول شهيدتين فى ثورة 19 وهما “حميدة خليل” و “شفيقة محمد”.
بل أن درويش وبديع خيري تصدرا المسيرات والمظاهرات،، وهتفا بصوتهما بحياة الوطن والشعب والاستقلال التام للبلاد، واستخدمت أغنيات درويش كهتافات سياسية أطلقها المواطنون في الشارع فور تلحينها فكان أن لعبت دور الضمير الوطنى الذى يحرك الشارع المصري. وكان عام 1919 أكثر السنوات إنتاجا فى تاريخ درويش الفني، وفقا لكثير من المؤرخين والنقاد، إذ قدم فى هذا العام 75 لحنا، وهذا يدل على أنه كان متفاعلا مع مجريات الأحداث السياسية في البلاد بأعماله الفنية.

طور درويش الموسيقى المصرية للمرة الأولى، وقدم أكثر من أوبريت غنائي، مثل “الباروكة” و “العشرة الطيبة” و “شهرزاد”، كما تعاون مع أشهر مغنيات العصر منيرة المهدية، وقدم أوبرا بعنوان “مارك أنطوان وكليوباترا” على خشبة المسرح المصري، كتبها سليم نخلة والشيخ يونس القاضي، ولحن درويش الفصل الأول وتوفي قبل أن يتمها، فأكملها الفنان محمد عبد الوهاب.
وقد مثّل عبد الوهاب بنفسه دور “مارك أنطوان” أمام منيرة المهدية التي لعبت دور “كليوباترا”، وهي المرة الأولى والأخيرة التي مثل فيها محمد عبد الوهاب على خشبة المسرح، وفقا لما جاء في دراسة “تاريخ المسرح العربي” للكاتب فؤاد رشيد.
وسجلت ثلاث شركات اسطوانات موسيقية بصوت سيد درويش في “ميشيان” وهي شركة محلية صغيرة أسسها مهاجر أرمني، وسجلت صوت درويش بين عامي 1914 و 1920، وشركة “أوديون” الألمانية التي سجلت أعماله المسرحية الخفيفة في عام 1922، و شركة “بايدافون” التي سجلت لدرويش ثلاثة أدوار غنائية في عام 1922.
أُطلق على درويش العديد من الألقاب، إذ لقبه الأديب الراحل عباس العقاد بـ”إمام الملحنين”، و”نابغة الموسيقى”، بالإضافة إلى ألقاب أخرى أهمها “فنان الشعب”، “خالد الذكر”، و”مجدد الموسيقى”، و”باعث النهضة الموسيقية”.
