محمد علي الخضور: أبحث في كيمياء اللغة عن معادلة أعرف أنها موجودة

21 سبتمبر 2023
حاوره: هاني نديم

يقدم محمد علي الخضور اقتراحات جادة لهوية شعرية خاصة تصبغ قصيدته الموزونة، عمود أو تفعيلة، وهذا أصعب من أن يصنع الشاعر هوية للنص النثري دون أدنى شك، إذ تحكم الموزون إيقاعات مستمرة منذ آلاف السنين، إلا أن لنصوص الخضور هويتها ومعجمها وفرادتها ووقعها الخاص جداً، التقيته في دردشة سريعة حول ما يجري اليوم من فوضى الكتابة والشعر من حولنا. سألته:

  •  كلما قرات لك يترسخ لدي شعور غامض أنك تكتب وكلك غضب رغم جمال ورقة ما تكتب، لعله غضب أو رفض لما يحدث في عالم الكتابة.. هل أنا محق؟ لعل السؤال ينفع كمدخل لآلية كتابة الشعر لديكم؟ كيف تكتب وكيف ترى الشعر؟

– نعم هو رفض وليس غضباً وهذا الرفض ليس رفضاً لما يحدث في عالم الكتابة بل هو خصيصة من خصائص الكتابة ، فالكتابة هي الرفض كما يقول أدونيس إنها تهديم شامل للنظام السائد وهذا الهدم يبدأ من الرفض، وهذا الجمال الممتزج بالرفض هو الجمال البري الذي لا يقبل التدجين والإذعان لما هو سائد هناك فرق كبير بين الفرس التي تصهل في حظيرتها وبين الفرس البرية الجامحة في السهوب..

 

  • لعله في العقد الأخير تغير شكل وجوهر الشعر السوري برمته، كيف ترى الأمر وكيف تقرأ المشهد الشعري السوري اليوم مع طوفان الكتابة هذا؟

– يقودني جوابي أعلاه إلى الإجابة على السؤال الثاني، فأنا أرى الشعر كما يراه باشلار (ظاهرة حرية) وهذه الحرية يجب أن تتجلى في المضمون والشكل، الشعر لا يذعن لشكل بل يخترعه ولا يذعن لمضمون بل يبتكره ، إنه محاولة لتغيير العالم بالكلمات، فالشعر ليس تعبيراً أميناً عن عالم غير عادي بل هو تعبير غير عادي عن عالم عادي.

الشعر كومة من هشيم الروح يحتاج إلى شرارة ليصبح ناراً، وأي فعل تكون ردة الفعل عليه قادحة لهذه الشرارة هو مدخلي إلى القصيدة، فقد يكون جمال امرأة هو هذا الفعل، قد يكون جمال قصيدة أو جمال موقف أو…أو…

من خلال متابعتي للشعر السوري منذ بداية الألفية الثالثة كنت ارى أن هناك حراكاً شعرياً مهماً يحاول أن يشق طريقه برؤية مختلفة وشكل مختلف، ويبني على تجارب سابقة وخبرات سابقة وقد ظهرت أسماء شعرية مميزة وملهمة لمن جاء بعدهم من الشعراء الشباب، لكن يبدو أن الحرب أكلت الكثير من هذه الأسماء، وبقي ذلك البناء الذي حاولوا إقامته كعنوان للشعرية الجديدة في سوريا بناءً على الهيكل منذ اندلاع الأزمة في سوريا واندلاع تكنولوجيا مواقع التواصل.

توقفت عن الكتابة مؤقتاً واكتفيت بمراقبة شعريّة السيليكون والبوتوكس.. شعريّة النسخ والتكرار

لقد حاول البعض إكساء هذا البناء بالورود والعطور وسرعان ما تذبل الورود وتتبخر العطور ويبقى الهيكل كما هو، هذا البناء يجب هدمه وإعادة بنائه من جديد ضمن مشروع شعري حقيقي يعرف ما يريد وإلى أين يجب أن يصل. وأنا واحد من أولئك الذين-ربما- ساهموا في بناء هذا الهيكل وأنا أول من يدعو إلى هدمه والبناء من جديد. وربما لهذا السبب توقفت عن الكتابة مؤقتاً واكتفيت بمراقبة شعريّة السليكون والبوتوكس شعريّة النسخ والتكرار ولا أنكر ولا يستطيع احد ان ينكر ان هناك أصوات شابة في المشهد الشعري السوري تحاول بناء نموذجها الخاص وهي في الطريق الصحيح لكن عليها أن لا تلتفت إلى ما يطلبه الجمهور او بالأحرى ما تطلبه المسابقات عليهم ان يكونوا هم ذاتهم فقط.

 

  •  عن محمد خارج نصه، تحدث لي عن البلاد والأحلام والأيام. عن هواياتك ومباهجك وأحزانك

– بالنسبة لي؛ أنا أحاول الكتابة وحالياً أحاول تحطيم رقم غينيس في تمزيق ما أكتب، فأنا ما زلت أبحث في كيمياء اللغة عن معادلة أعرف أنها موجودة ولابد ان تكون موجودة، معادلة تجعل الشاعر خيميائيّاً يحول المفردات إلى ذهب. ولهذا تفرّغت للقراءة والقراءة فقط؛ شغفي الوحيد الذي ينتشلني من بلاد بلا أفق.. بلاد تجلدنا وحين تنهمر دموعنا تكون حزناً عليها لا على الألم الذي يقع على ظهورنا بفعل هذه السياط التي تجلدنا.

صرت أخاف أن أقف على منبر بينما يقف الفقراء في طوابير الخبز وتأمين لقمة العيش

لقد أصبحت أتردد في قبول أي دعوة إلى أمسية أو مهرجان صرت أخاف أن أقف على منبر بينما يقف الفقراء في طوابير الخبز وتأمين لقمة العيش. وبالنسبة لأحلامي لم يعد هناك الكثير منها. أنا أحلم بمستقبل وَلَدَي وأجيِّر كل أحلامي السابقة واللاحقة إليهما، فأي حلم يحققانه هو حلمي وأي بهجة يظهرانها هي بهجتي. ربما كنت أباً أكثر من اللازم لكن هذه الأبوّة الفائضة ربما كانت اعتذاراً عن إقحامي لكائنين لطيفين في هذه الحياة المعركة.
أما عن الأحزان يا صديقي فأنا سوري..

قد يعجبك ايضا