29 يونيو 2023
حاوره: هاني نديم
يفرض الشعر علينا في كثير من المرات التأمل مهما كنا لا نريد مواجهة التفكّر والأناة، فثمة نصوص تتسرّب إلى داخل الإنسان بنعومة وهدوء ليعالجها لاحقاً حيث تفرض أسئلتها من جديد، نصوص مروان علي منها دون أدنى شك. نص ناعم وفاتن وفيه الكثير من الجوّانيات التي تنفجر وتظهر فجأة كموّالٍ كرديٍ في عرس.
مروان علي شاعر سوري كردي يعيش في الخارج منذ سنوات طويلة، سألته عن سوريا والشعر والحرب والوجع.
- بعد 12 عام.. ما الذي تغيّر علينا كسوريين، كشعراء. كقصيدة.. كيف نلخص ما جرى فنيا؟
– حين غادرت سوريا في النصف الثاني من التسعينيات تحديدا في سبتمر 1995 كنت أفكر طويلا كأي سوري في مستقبل هذه البلاد الجميلة والتي اسمها سوريا وكنت أخاف ربما لأن المنطقة برمتها كانت تغلي من لبنان إلى العراق ومرورا بإيران وتركيا ..هذا المشهد كان يحبط من آمالي وكنت أبرر ذلك برقة الشاعر وخوفه وحرصه على بلاده خصوصا حين تكون غريبا في بلاد بعيدة وجميلة وهادئة مثل هولندا . لم أتخيل يوما أن يحدث ما حدث ولا زلت تحت تاثير الصدمة
كيف وصلنا إلى هنا
ونحن لا نعرف من الطرق
غير الطريق إلى البيت
تغيّرت سوريا وتغيّرنا كثيرا وأصبحنا نتابع الأخبار المؤلمة والحزينة عن سوريا والسوريين والموت والغرق بألم أقل، ربما لأن الألم صار جزءا من حياتنا خلال أكثر من عقد من الزمن. إبداعيًا كل ما كتب حتى الآن عن الكارثة السورية أعتقد مجرد تمارين، النصوص القادمة سواء في الشعر أو في الرواية والمسرح وكل الفنون الأخرى ستكتب حين تنتهي الحرب ونكون وجها لوجه أمام الغائبين.
النصوص العظيمة في الأدب الياباني والألماني كتبت بعد سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية ولا تزال تكتب حتى اليوم. شخصيا أريد لهذه الحرب أن تنتهي ولا أريد أن أفكر في أي شيء آخر . ميرا في حضني وحقيبتي الصغيرة معي وأنا أنتظر في هذه البلاد البعيدة ولأن الارض تدور سنصل يوما إلى سوريا.
تغيّرت سوريا وتغيّرنا كثيرا وأصبحنا نتابع الأخبار المؤلمة والحزينة عن سوريا والسوريين والموت والغرق بألم أقل
- ناشطٌ جدا في المشهد الثقافي العربي العام، كيف ترى المشهد ككل، بوصفك مروان علي، وبوصفك خارج أفكارك وانتمائاتك؟
– أتابع المشهد منذ سنوات طويلة وأنا أختلف مع المواقف المسبقة من هذا المشهد، سعيد جدا لوجود معارض الكتب من فلسطين مرورا بالشارقة والرياض ومسقط وحتى بيروت والقاهرة ودمشق. سعيد بظهور دور نشر جديدة تفتح أبواب النشر أمام الكتاب الشباب ( أتذكر معاناتي وأبناء جيلي في ايجاد ناشر حقيقي يهتم بالنص ).
لماذا توقفت عند المعارض ودور النشر؟ لأنها تتيح وصول الكتاب إلى القارىء، لأن النص لا يكتمل في غياب القارىء . ورغم كل ما يقال عن الجوائز الأدبية لا أخفي سعادتي بوجودها لانها تفتح الابواب أمام الأعمال المختلفة والمتميزة والتي تضيف الكثير إلى المنجز الإبداعي العربي. حزين لافتقاد حياتنا الثقافية الآن لمجلات رصينة مثل الكرمل ومواقف وتوقف بعض الصحف التي لعبت دورا ثقافيا مهما مثل النهار والسفير والحياة بشكل عام.
هناك أصوات جديدة في الشعر والرواية القصة القصيرة والصحافة تجعلك تبحث عنها وهنا سر الصوت الخاص الذي على كل مبدع أن يبحث عنه . هناك أمراض كثيرة في الوسط الثقافي لنعترف ،. نعاني منها جميعا.
النصوص العظيمة في الأدب الياباني والألماني كتبت بعد سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية ولا تزال تكتب حتى اليوم
- مسارك الفني إن صح ما أقول.. كان هادئا وراسخا ورصينا وغير متعجل حتى وصلت اليوم إلى مشهد عالمي اسماً ونصاً.. ما هو مشروعك وكيف بدأت واين انت الان؟
– شكرا على هذا السؤال المهم من شاعر أحبه في الحياة وفِي الكتابة وأبحث دائما عن جديده وأعتبره من الأصوات الخاصة جدا في المشهد الشعري السوري والعربي. أحاول تقديم نص شعري مختلف، لأن مهمة الشاعر السوري شاقة بسبب خصوصية هذا المشهد منذ بدايات الحداثة الشعرية العربية.
أنا مقلّ جدا وأراجع نصوصي كثيرا وأحاول تقديم نصي بعيدا عن الوصفات الجاهزة للقصيدة الجديدة. سنوات الإقامة في هولندا وألمانيا وزياراتي لدول كثيرة وعديدة ومشاركاتي في مهرجانات عربية وعالمية صححت علاقتي مع المشهد الشعري العربي بعد أن كنت منبهرا بكل ما يكتب في الغرب.