من أشكالهم تعرفونهم!

7 أكتوبر 2023

قديماً قال الجاحظ، الناس بأشباهها، وفي تفسير هذا يقول المغالسي: من شابه الثعلب فهو ثعلب، ومن شابه الصبع ففي صفاته الضباعة والوضاعة ومن شابه الفيل كان كسولاً طيباً صبوراً إلى غير ذلك من أشباه وهو ما نطلق عليه قراءة الملامح ويقع ضمن علم الفراسة المعروف عند العرب.

وإن شُغل اليونانيون بالتدوين والرسائل وتأخر العرب في الملاحظات والكتابة المنهجية نوعاً ما بسبب البلاغات والتدوين المقامي والشعر الذي كان ديوانهم وشغلهم الشاغل وهذه وجهة نظر خاصة قد تكون مخطئة؛ فقد تمّ تناقل علم الفراسة العربي مشافهةً أكثر منه مكتوباً – وإن وجدت كبار الأسماء العربية قد شغلت به مثل الجاحظ والرازي وابن سينا – وظل العرب يأخذون المرويات الشعبية ويعتمدون على “النكرات” والحوادث المتفرقة في استدلالاتهم ليبنوا تفاصيل التفاصيل في هذا العلم الذي أصبح عربياً صرفاً باعتراف العلماء الأوروبيين القدامى ممن أعادوا تصدير “تفاصيل” الفراسة العربية التي لا تعدّ ولا تحصى مثل: تتبع الأثر “العيافة” ومعرفة البشر “القيافة” ومتابعة الماء والظل والشجر “الريافة” وغيرها من مراقبة الغيم والريح والحيوانات والمعمار والصوت والوجه والخطّ ووضعت المصنّفات في الحيوان والإنسان والأطعمة والأمزجة حتى كتب فيها الجميع.

وما ظل من الكتب العربية “المحبوبة” اليوم هو ما يحتوي بين دفّتيه قصص فراسةٍ وتنبّه وذكاء واستقراء. وما دعاني اليوم إلى كتابة هذا الموضوع هم المتذاكون ممن يعتقدون أنهم يستطيعون خداع الجميع بخطابٍ أو بلباسٍ أو بصفةٍ تسبق اسمهم كمحلل سياسي أو دكتور أو خلافه، متغافلين عن الحقيقة التي تقول أنه لكل شيء في هذا الكون علائم ودلالات لا تحتاج لفرّاسين ولا لقيافة أو عيافة.

لقد ترك العرب ما يشبه الرسائل والملخصات والتذكرات فيما يتعلق بالفراسة، وهو ما يعني أقل من مبحث كامل، ولعل المؤلف العربي الأوسع في هذا الخصوص تركه “جرجي زيدان” تحت اسم “علم الفراسة الحديث” والذي صدر عن دار الهلال1901 وجمع فيه ما جمع من آراء الأولين والمعاصرين وهو كتاب لطيف خفيف.

دخل رجلٌ إلى مدينةٍ لا يعرف فيها أحد مع رهطٍ من جماعته قاصداً وجيه المحلّة فطرق باباً بكل ثقةٍ من بين عشرات الأبواب وإذ به الوجيه فعلاً، وحينما سأله صحبه كيف عرفته قال: تجمعت الهررة أمام بابه تنتظر طعامها، فهو الكريم وبيته بيت ولائم.

في “كتاب الفراسة” لمؤلفه فيلمون الحكيم، أو “أفليمون” وهو كتاب نادر من منشورات المطبعة العلمية بحلب إصدار 1929وقعت عليه بعد بحث طويل، يقول: “مدار الأفعال على وجهين وهما الغريزة والتصنّع، ولكل واحد من الأمرين شواهدٌ تخبر عنه قبل ظهوره، وأعلامٌ تدل عليه مع ظهوره، وعلى هذا يتم القياس، فمن قلّ عقله غلبت عليه غريزته حتى يلحق بالظهور بما يشبهه من البهائم، وكلنا بين ثلاث الشهوة والغضب والعقل، وقد ادعى معرفة علم الأخلاق والطبايع صنف من أهل العلم من المنجمين والأطباء، فأما المنجمون فزعموا أن الأخلاق والصور إنما وقعت على الناس من مواليدهم وطوالعهم من أبرجة الفلك والأنجم السبعة السائرة، وأما الأطباء فاعتمدوا على الأخلاط الأربعة الصفراء والسوداء والدم والبلغم، وعليه القياس المزاج في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. وكلا هذين الصنفين يقوي علم الفراسة ويساعد أهلها على حسن القياس، واعلم أن الفراسة تدور على ثلاثة أصول: أولها معرفة الصور بأشباهها من الدواب، والثاني معرفة خلقة التذكير والتأنيث، والثالث معرفة الشمائل بحركة الأوصال”.

ومنه قول الجاحظ: الناس بأشباهها، فهنالك إذاً من البشر: الأسد والضبع والقرد والثعلب والبقرة والحمار والفهد..الخ الخ.

الرازي في كتابه الشهير “جمل أحكام الفراسة” يصنف البشر بحسب شكل العين والحاجب والجبهة والعنق والفم والأذن وغيره من الأعضاء. ويشير إلى دلائل الشجاعة والجبن والمكر والخبث وعلاماتهم.

اختلف حول هذا العلم كثيراً وسيختلف عليه كثيرا، فهو – قطعاً – ليس علماً قطعياً كما أسلفنا، ولكنه استدلالي قد تلخصه هذه الجملة التي قالها يشوع بن سيراخ: “قلب الإنسان يغير وجهه، وملامحه إما إلى الخير وإما إلى الشر”.

قد يعجبك ايضا