من زوايا النسيان.. الترابادور الأفريقي ما زال يصدح
25 أبريل 2023
سامح محجوب – القاهرة
المكان :جمعية الشبان المسيحيين .. القاهرة
الزمان : 1999
المناسبة : ندوة شعراء العروبة التى كانت تعقد شهريًا والتى كانت تضم مجموعة من أتعس شعراء العربية آنذاك وكلهم ذهب الى حيث يستحق
– حاملًا آخر قصيدة كتبتها جلست بجوار هؤلاء الكبار – سنًا طبعًا – وكان أن جاء دورى فى إلقاء قصيدتي .. وساعتها سألنى كبير كهنتهم وكان اسمه ابراهيم عيسى صاحب الندوة ومديرها ومنظرها الوحيد : عمودى أم تفعيله ؟
فقلت ببراءة عاشق وقلب طفل : تفعيله
فرد قائلًا : نحن لا نسمح بقراءة هذا الكلام الفارغ فى ندوتنا ..
– من ركنٍ قصيٍ فى القاعة جاء صوته غاضبا : أقرأ قصيدتك يا ولدى
– بخجل شديد قرأت قصيدتي وكان عنوانها ( أبوذر الغفاري )
وبعد أن انتهيت من القراءة ..قال بصوته المتفحم كوجهه : هذا هو الشعر
بهذه الجمله المقتضبه الموجزة جدااا صالحنى محمد مفتاح الفيتورى على الشعر وعلى نفسى المتعبة التى كانت تلتمس المجاز فى مدينة بالغة التجهم وسط جماعة ثقافية شديدة المركزية أشبه ما يكون بالجيتوهات اليهودية المغلقة
وكأنني أتمثَّل قول الفيتوري واصفا حالته :
فقيرٌ أجل
ودميمٌ دميم
بلونِ الشتاءِ
بلونِ الغيوم
يسيرُ
فتسخر منه الوجوه
وتسخرُ
حتى وجوه الهموم
فيحملُ أحقاده
في جنون
ويحضن أحزانه
في وجوم
ولكنه أبدا حالم
وفي قلبه
يقظاتُ النجوم
ولأنني أعرف الفيتوري جيدا أرفض تماماً ما ذهب إليه الصديق شوقي بزيع فى مقاله بجريدة الشرق الأوسط عن محمد الفيتوري والذي وصفه بالمتملق والمتماهي مع الجلادين؛ نظراً لعلاقته بالقذافي ومدحه للنميري وعمله مستشارا ثقافيا لليبيا فى مصر وبعض البلدان العربية، لأننا لو اعتمدنا هذا المنطق فى تقييم مواقف وسلوك وتجربة شعراء هذا الزمان ، سينسحب هذا الوصف القاسي على عمر أبو ريشة وبشارة الخوري وشوقي والجواهري ونزار قباني وبدوي الجبل وحجازي وعبدالرزاق عبدالواحد وسعيد عقل وآخرين لا يتسع المقام لذكرهم، الفيتوري الذي عرفته كان رجلا حُرًا يمتلئ كبرياء ونزاهة، بل إنه يعد الشاعر العربي الوحيد الذي ظل محتفظا بلياقته الشعرية حتى آخر قصيدة كتبها وحتى هذه اللحظة لم يتم قراءة تجربته نقديا بما يليق بحجمه كشاعر مجدد على أكثر من مستوى وذلك لجهل معظم نقاد الفترة الحالية بالشعر ، أتمنى لو تراجع بزيع عن هذا الرأي وكتب عن تجربة الفيتوري بمحبة وإنصاف كما يكتب عن آخرين أقل شأنا وتجربة.
