من وحي العيد

15 أغسطس 2023

عبير زرافة – إعلامية سورية

في هذه الأجنحة الخالدة في متحف العمر .مشاهدُ باتت نقشاً في لوحاتٍ مضرجةٍ بنزيفِ الروح وآلامِ القهر التي أمست سكينة الجسد..

في كل عام، تمر الأعياد بكل أسمائها على أمهات الشهداء قوافلَ حزنٍ ودموع وذكرياتٍ موجعةٍ للروح ،قهرٌ كبير وصمتٌ يخفي بأحشائه عاصفةَ حنين وشوق،ومَشاهد حياة منذ الولادة حتى ارتقاء الروح. هو حال الأمهات الثكلى في كل عيد وفي كل مناسبة تستدعي بعض الفرح الذي أصبح ضرباً من الوهم في هذه الظروف القاهرة حتى العظم.

في الأعياد، تتضرع أنفاسهن لله، هل يعود الشهيد يوماً إلى حضن أمه، ليت الله يرسله في العيد فتراه وتضمه بقوة وطن.
وتتنفس عطر شهادته حولاً كاملاً ولا تكتفي،أليس لأمُ الشهيد كرامةٌ عند الله؟

رغم قساوة المشهد، لكن ليس صعبا أن تطرق باب عليائهن و تحظى بكرم لقائهن وهن السباقات إلى الجود والتضحية والعطاء، وليس صعبا أن ترشف من بحر أحزانهن كأساً من الصبر على فراق الأحبة.

لكنّ رهبة العيد، في حضرة الغياب،تجعل الكون كلّه في خشوع، فرائحة دماء أبنائهن المعتقة برائحة البخور، تملأ السماء.
في مشهدٍ آخر في أروقة متحف انكساراتنا ،من عالم واقعنا المأساوي ،حيث دمرت الحرب عناوين العيش الكريم ،وجاء الزلزال ليزيد مساحات الدمار في النفس المنكوبة.

في هذا المشهد، يغتال الغلاء المستشري كالسرطان أحلام الاطفال بثوب جديد وفسحة صغيرة للهو في مدن الملاهي ،ويقصف في العمق قلوب الأهالي العاجزين ابداً عن رسم ضحكة “كاذبة “على وجوه أطفالهم . هي الأعياد ولاّدة الفرح والضحكة، أضحت اليوم أيقونة قهر وحزن.
اليوم، في كل مدينة وفي كل شارع وبيت، في كل بقعة من بلد الحضارات ،وجوهٌ مترفةٌ بالدهشة ،بالبؤس، بالعجز، بقلوبٍ معذبةٍ بالفقد ،فقيرةُ الفرح والضحكة .مدقعةٌ بالفقر حتى العدم، جيوبُ ثياب  يُعاد تدويرها حتى الاهتراء، وأبسط متطلبات العيش باتت ضرباً من خيالٍ مجنون ،حين تتطاير أسعار الحيتان سابقةً في سرعتها، صوت الدهشة، تنحبس الأنفاس في زوايا بيوتٍ عنوانها العجز .

كيف نقدم قرابين العيد، تعلو أصواتُ عجزهم: بأي حال عدت علينا يا عيد.
على ضفة أخرى،مقابل المتحف الموحش بخيبة انتظار، في مشهدٍ خارج عن مألوف الخراب، يخدش حياءَ بؤسنا، في عالمنا الضيق الأنفاس تراهم يشريون. ربما لم تمر ألوان القهر على جدران مملكتهم، على سمائهم يوما، ولم يقصف الخرابُ منابعَ رغدهم، موائدُهم عامرةٌ ببيض الأوزة الذهبية وديك ليلة الميلاد.

وبين المشهدين. يغدو وجهُ بائعةِ الكبريت فوانيسَ الفقراء.

 

قد يعجبك ايضا