موت غالية في “بالدم” بقعة سوداء شوهت القصة الملهمة

“نص خبر” -كمال طنوس 

“بالدم” بالحزن بالمصائب بالكدر بدأ هذا العمل الشّيق وانتهى وطعم المرارة نفسه وبالدمع نفسه. نهاية ممقوتة وصدمة تجعلنا نخاف من عقل من ألف هذه القصة. فهو يحب الفواجع.

هل كان هدف هذا العمل الذي اجتاح القلوب وعرف النجاح الكبير وأعاد رصيد الدراما اللبنانية إلى قمة الثراء. أن يقتل الأمل. أن ينشر السواد ويكتب ورقة النعي ويقول لنا هذه الحياة: لعنة للمعطاء، رصاصة في قلب الطيبة، جنازة لكل من قدم رسالة من حب ،وثمن التضحية تابوت أبيض.

ميتة غالية في مسلسل “بالدم” لا تمر في تاريخ الدراما الناجحة المحلقة، ولا تبدو حقيقية حتى في الحياة الطبيعية. الشابة الشرسة صاحبة القلب القوي التي تجرأت على مجابهة الشر بلحمها ووقفت صداً أمام وجه الشر “نظيرة” انتهت بطلقة من المرأة الكسيحة التي لا حول لها ولا قوة.

فنياً “بالدم” رفع على قمة التألق من ألفه حتى يائه نصاً وأداء واخراجاً. وصولاً للحظة التتمة والنهاية، فبعد أن أغرقنا اليأس والدمع طوال ثلاثون حلقة. قلنا وأخيراً انتصرت “غالية”، لكنها قتلت برصاصة الشر والدنس. وانتصر الباطل على الحق.

هل رسالة العمل القول بأن الباطل أقوى. وأن الحياة مجحفة لحد أنها تجلد وتحرم وتخطف الأولاد من أهلهم  من  وعند معرفة الحقيقة والاتكاء على مخدة الأمان تخطف منهم الانفاس في لحظة غفلة.

لم تكن هذه النهاية محقة للإنسان ولا تنم عن حقيقة الحياة ولا انجاز درامي. أنها صفعة لئيمة خلفها قلب أسود وشخص سادي يحب أن يقول: أول النفق وأخره يتماثلان في السواد وتسليم الروح.

هذا العمل الذي خطف القلوب والعقول وتوّج على قائمة السطوع لماذا كانت نهايته مقيتة؟ وهل من كتب النهاية لا يستطيع أحد مناقشته في سوداويته أو يمون عليه أو يعطيه جرعة تفاؤل ليحرف خط النهاية من الموت إلى الحياة.

غالية  الشخصية المحورية في العمل والتي لم نرّ منها سوى العطاء والكرم ومؤازرة المظلوم والصفح والتفهم أن تكون نهايتها بشد الحبل على خناقها في لعبة مثيرة. أصيبت برصاصة دخلت المستشفى وبقيت على قيد الحياة وتكلمت وأوصت ثم أسلمت الروح. لماذا كل هذا المقت “لغالية”؟ رفعت أدراج الغيم وأُسقطت في وادي الموت.

أجادت الكاتبة في جعل “غالية” كبش فداء حتى في موتها كانت سبب حياة وخلاص لغيرها وتبرعت بكليتها لأختها. علماً كان يمكن أن تمنحها في حياتها. لكن الكاتبة جعلت من “غالية” شخصاً طيباً جاء ليزهق.

“غالية “التي عاشت مظلومة مسروقة ضائعة بين أهل ربوها وأهل تخلوا عنها وعندما بزغت الحقيقة، مدد جسدها وانتقلت من هذا العالم في جنازة لم تكن حتى مؤثرة. الكلام الذي قيل في جنازتها قليل واللغة المصاغة حول حياتها وموتها  ركيكة ضعيفة. ومن أبّنها لم يكن طليقاً ولا بليغاً. فقط التابوت الأبيض كان معبراً عن شبابها وقيمة حتفها وحياتها.

الدراما الناجحة هي التي تجعلك تنغمس في شخصياتها وحوارهم وتتماهى معهم. “وبالدم” وصل تلك المواصيل وبقوة. لكن كما خفنا من نظيرة وأسيا ومن كل عصابة بيع الأرواح بتنا نخاف من قلم يجيد صياغة حتف الأخرين. هذا الولع بالنهايات الحزينة مقلق ومنفر.

“غالية” التي عاشت كل هذه القسوة والنكران كانت تستحق بعض الشفاعة. لكن قلم نادين جابر يحب النهايات السوداء. زفر أخر نقطة سوداء على صدر الثوب الأبيض الملهم الذي حاكته وشوهت جماله.

 

قد يعجبك ايضا