يونس البوسعيدي: عيب المشهد الأدبي ليس في الوفرة بل في الذائقة

9 أوغست 2023

حاوره: هاني نديم

يونس البوسعيدي صوتُ شعريٌ صاف بصفاء أفلاج سلطنة عمان التي بدأت باستعادة مركزيتها – إن صحّ وصفي- كمصّدر للأدب العربي منذ القدم. لها معجمها وفهرسها ومدرستها الأدبية الخاصة، في الحداثة والأصول، ولا شك أن يونس البوسعيدي أحد أصواتها المتفاعلة والحاضرة في الميادين الأدبية العربية. 

التقيت يونس الشاعر والمثقف وفتحنا الأبواب على المشهد العماني والعربي وعن عوالم يونس الخاصة في دردشة سريعة. سألته

  • مع خطف العديد من الأدباء العمانيين الأنظار والجوائز، عاد الأدب العماني إلى الضوء بعد غياب طويل نسبيا، برأيكم هل كان مظلوما أم مغيبا أم هي صحوة حقيقية، كيف ترى الأمر؟

– هذا يجيب عليه التاريخ، وقبل ربما أكثر من عشر سنين ويزيد قلتُ في مقابلة صحفية أن على المثقف العماني مغادرة الرقعة الجغرافية، ولكن تعال للتاريخ، فنحن هي الأرض التي لا تسمع فيها (ناجخة التيار) وأخرجت الخليل بن أحمد وابن دريد، ولكن الجغرافيا العمانية لم تعكس ضوءهم بل في غير أرضهم سطعوا، فما معنى هذا؟ يعني أن عمان البلد الذي يستقبل أول شروق شمس عربي جغرافيا لا يجيد تسليط الشمس عليه، فهو يحب الهدوء والتواضع المطلق وكأن من جوارحه وخلقته، فإذا خرج عمانيٌ من حيّزه الجغرافي انبهر الآخر كما تنبهر عمر بن عبدالعزيز حين سمع كعب بن معدان الأشقري فسأل عن شعره: لمن هذا؟ قال: لرجل من أزد عمان، يقال له كعب الاشقريّ. قال: ما كنت أظن أهل عمان يقولون مثل هذا الشعر!

هذا هو التاريخ نحن وقعنا في مظلومية الجغرافيا والشخصية المجبولة على التواضع الشديد فلسنا من ضمن الشخصيات الجغرافية الثلاث المنتفخة الأوداج تاريخيا. أما في الحاضر حين تكسرت الجغرافيا بواسطة (مارك زوكربيرغ ‏) وأخوته فاستمع الناس للعمانيين مسّهم ما مسّ عمر بن عبدالعزيز. ولكن بقيت عقدة شخصيتنا التي حيرتني كيف يجب التعامل معها.

صورة بعض المثقفين بالقلم والسيجار تشبه صورة بعض المشايخ الفاسدين!

  • كيف ترى المشهد الأدبي العربي اليوم، هل خلصتنا وسائل التواصل من المناطقية أم زادتها؟

–  أولا أحب لفت النظر لواقع ألحظه في وسائل التواصل الاجتماعي أنها كسرتْ تسلطن الشلليات الثقافية على الصحف والملاحق الثقافية الورقية التي ركبت رؤوس الناس ما قبل فترة الألفية وكذلك عرّت أسماء كنا نظنها كبيرة فاتضح أن صورتها في الجريدة بالسيجار أو القلم كانت كذبا يشبه دعوات الشيوخ الفاسدين عن الورع والزهد في الدنيا.

لكن مع ذلك لم تخلصنا من عقدة المرايا المحدّبة تماما. فبعض القراء يترزق في وسائل التواصل الاجتماعي بمدح المثقفين الذين يديرون المناشط الثقافية في بلدانهم لأجل دعوة محمولة التكاليف. أو يظنون أن كل كتابات فلانا الذي اشتُهر له نصًا أو نصوصًا جيدة ستكون جيدة، هذا يعني أن المشهد الأدبي العربي ليس عيبه في الوفرة التي أنتجتها وسائل التواصل الاجتماعية ، بل أن الذائقة الثقافية لم يعد هناك من وما ينخلها.

المناطقية نسبية، ولا تجدها عند الجميع. الناس حتى في الأدب والثقافة تبحث عمّن يشاركها همّها وفكرتها. وأظن أن غالبا لا يكون ذلك في منشور ثقافي كالشعر أو القصة بل في منشور تدويني صغير، فتكون المناطقية فكرية أكثر من الجغرافية. ولكن لا أنكر أن المناطقية الجغرافية موجودة عند فئة من المثقفين ممن اكتسبوا خطا من الصوت العالي والصورة ذات المقاس الأكبر.

 لم يعد أمر الكتابة وأشكالها يشغل بالي، فكأني بحر سحبَ أمواجه لأعماقه

  • كيف تذهب إلى نصك يونس وكيف تخرج منه، وهل يعني لك الشكل، ولمن تقرأ وماذا تقرأ وما هي روافد نصك الثقافية؟

– كنتُ أهتم بالكتابة الأدبية ولكني -للأسف أو الحمد لله- بدأت بواقعية الحياة وإعطاء الأدب/ الشعر – مقاسه الواقعي في حياتي، فلم أعد أسأل ولا يقلقني هل كتبتُ أم لا. قد أكتب للمجاملة ولكن ككتابة احترافية لم يعد الأمر يشغل بالي، فكأني بحر سحبَ أمواجه لأعماقه لكن لم أكن أهتم للشكل كيفما يكون والحمد لله كتبتُ في مجاميعي الشعرية الست المطبوعة كل الأشكال الشعرية بل غامرت فيها بأشكال أظنها ابتكارية.

ولسوء حظي فإني كلما حاولت الولوج للنص الشعري كيفما أشاء أجد أمامي سد يأجوج ومأجوج فأرجع مهزوما. وأحيانا أكون في حومة اللهو فإذا باب الشعر لا مرئيٌ لغيري أدخل منه بلا إحم ولا دستور. والخروج من النص يشبه في كثير منه الخروج من عملية قيصرية وأحيانا من حفلة ليلية صاخبة، لا يوجد حالة رضا تام أو سخط تام لأن الشعر حالة لا وعي وغير مفهومة لي. لنصوصي الثقافية كنت أقرأ الأدب المترجم ، أحبها كثيرا. إضافةً لارتكازي على التاريخ كثيرا، وأحب القراءة للمجهولين في كل فن. وهناك الرافدان الأهم وهما السفر والتأمل

قد يعجبك ايضا