محمد عبده.. هل يمرض الفن وفي صداه شفاء؟

 

كمال طنوس_بيروت

محمد عبده.. هل يمرض الفن وفي صداه شفاء؟ جاء بقامته من رمال الصحاري فكسا الكون كثباناً.

جاء مع شجر النخيل فظلل الأوطان ألحاناً. جاء يريد أن يكتشف الكون كبّحار فترك البحر وسفنه وعبر بصوته يمخرُ قلوب العشاق والمحزونين والمحرومين وقال في الوطن أغانٍ رددتها قبب السماء.

يوم غنى محمد عبده “الأماكن” كان الدمع عصياً على أصحاب المُقل ويصعب ذرفها. سمعتها الأم الثكلى التي جافاها البكاء ومرضت من حقن الدمع. فبكّتها “الأماكن” وذرفت الدمع كثيفاً. فقال لها الطبيب شفاؤك بسماع هذه الاغنية التي تفك دمعك وحسرتك فتشفين.

محمد عبده الذي جاء صدفة نحو الغناء لم يكن في باله سوى السفر نحو بلاد البحر ، يريد أن يصبح بحاراً يبني سفناً ويغير شطآناً. لكنه اختار بيروت مرساة له ومنها عبق صوت صار ترداداً لكل الشعوب العربية.

كان حلمه أن يسافر  إلى إيطاليا ليبني السفن، لكنه سافر نحو الشرق وبنى أول طوبة في مجد الاغنية.

لم ينشأ عبده تلك الطفولة المرفهة بل كان فقيراً ويتيماً. ومن فقره بنى مجداً وصل أصقاع الأرض ومن يتمه بلسم جراحاً وردد أغانيه كل ملهوف وعاشق وكتبت على القلوب أسماء ألحانه.

غرف من بيئته وعاش في كنّه الفلكلور يغني العراقة، ويضيء مشعله. فشهرته تعدت الآفاق وأغانيه تتردد بالشعر النبطي الذي دون في الذاكرة:” كالرسائل – والمعازيم – ولنا الله- ومركب الهند – وخاصمت عيني – وآخرها اعترف لك – وبنت النوم.”

واصل صاحب القامة الرقيقة كبراً فقدم روائعه لحناً لمغنين كبار “أحلام واصالة ونوال الكويتية..” فكانت زادهم في التألق.

وغنى الكثير للحب والعنفوان والوجد فصار لحناً على كل شفاه الأرض. أغنية رائعته “ليلة ليلة” التي اجتاحت العالم من أقصاه إلى أقصاه يرددها كل شعب بلغته. بات سفيراً للأغنية الخليجية لا بل أبعد من ذلك سفيراً للأغنية العربية. وليس قليلاً أن يطلق الرئيس التونسي في أوائل الثمانينات الحبيب بو رقيبة لقب (فنان العرب) عبر حفلة أقامها في تونس حينها.

فمن عرف تراث السعودية الفني في حينها في السبعينيات كان قد عرفه من خلال هذه الاغنية التي شكلت حدوداً لا حدود لها. ولم تكن اللغة مهمة لان لحنها بات عالميا يتقلب ويتغير لتصبح لغة من تبناها.

محمد عبده ومعه طلال مداح كانا من أهم الفنانين الذين ساهموا بنشر الأغنية الخليجية في جميع أنحاء العالم العربي فهما اللذان ساهما بتطوير الأغنية السعودية إلى جانب الأمير الشاعر خالد الفيصل والأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن.

لم تخفت قريحته ولا نغمه يوماً دوماً كان حضوره كثيفاً، فمؤخراً زادت حفلاته ومشاركته في “مواسم الرياض” وفي كل المهرجانات التي تقيمها المملكة.

معروف عنه تواضعه فقد ناله يوماً قسط من النقد أنه يحمل هاتفاً قديماً. لكن جبل التواضع لا تضره مثل هذا الانتقادات الفارغة التي تأتي بأصحابها الأرض أمام من صنع مجد البقاء وعلياء الحضور.

مرضه أصاب العالم العربي بوهن، ألمه أصاب محبيه بألم، ورحلة مرضه رحلة قدّر علينا أن نخوضها معه، نحو شفاء بإذن الله، يعود بعدها جبل الفن شامخاً بلقاء قريبٍ جداً بعيداً عن المستشفى وسرير المرض ورائحة العقاقير. لا يليق به سوى المسرح ورائحة الورود والبخور والمحبة تعبق أينما حل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا