“نص خبر”- بيروت
” بيروت سيدة عجوز كل يوم تتبرج وتنتظر الموت لكنها لا تموت”. قالتها عبير نعمة دون أن تعرف معنى هذا الكلام. ربما خانها التعبير، ربما لم تقصد هذه الذلة.
هذه الكلمات قاسية من سيدة تحمل صوتها للعالم ليكون صدى الحقيقة.كيف تكون بيروت عجوزاً وكل يوم تدك من بحرها وقلبها وضاحيتها وتبقى على رئة الصمود!
كيف تكون بيروت عجوزاً وتتبرج في انتظار الموت وهي تقف شارعاً وبيوتاً وارواحاً كوتد في عين الحاقدين . تقف شماء يخاف من رعونة صمودها الأعداء. تكمش على جرحها وتكمّ صوتها وتقف كالمارد.
شوارعها ما زالت حياة برغم الموت المزنر حولها. بيوتها فتحت لبيوت تهدمت، شعبها يبكي بصمت ويضم ويفتح ذراعيه للغد المتفائل كأنها صبية لم يرهقها الضرب ولا القصف تمسح جبينها الدامي وتقف كأنها كجبار في ريعان الشموخ والشباب.
بيروت دكت مرات ووقفت في كل مرة صبية تسرح شعرها للبحر والسماء وتتدلل بعد حين كأن لا مصاب ألمّ بها ولا حرب عبرت بها.
بيروت ليست عجوزاً سوى بحكمتها وحنكتها ورصانتها. بيروت شابة مغناج قادرة عند كل مصاب أن تمسح وجهها وتضيء من أزقتها من مرفأها الذي تدمر ودمر معه نصف المدينة وبقيت تغني للحب وتبعث رسائل فأل قلما وجدت في التاريخ البشري. وهي اليوم تدمر وبقيت عائمة فوق القمر وفوق الغرق وفوق الموت والعجز.
بيروت لا تنتظر موتها. بيروت تقتل موتها وتهزأ منه. وتنهض مغسولة من كل أوجاعها كأنها ولدت للتو. بالرغم من كل ما بها ما زالت شوارعها تغص بالضجيج. ما زالت تهزأ من قاتلها، ما زالت واقفة كعروس المتوسط، ما زالت عابقة كزهرة فل في حوض عتيق.
&
View this post on Instagram
;
بيروت سيدتي ليست عجوزاً تنتظر موتها وبقيت على قيد الحياة صدفة. هذه المدينة الصغيرة عنوان كبير في الحيوية والقوة والقدرة على التحمل. حنجرتها الصغيرة تؤدي كل الأصوات الخافتة والكبيرة. قامتها الرقيقة واقفة كصد وسد في وجه عدوانها. وهذا ليس فعل عجائز بل هذا فعل إرادة شابة حيوية مؤمنة بأن الحياة هي الصمود.
خانك التعبير يا عبير ولم يكن في فقه المعرفة على قدم وساق كما هي معرفتك في علم الموسيقى الواسعة والرحبة. بيروت ما زالت تصدر أصواتها وشبابها إلى كل العالم بالأمس إيلي صعب واليوم انت وغداً شخصية أخرى تفتح للمجد مكانة.
الحرب تعود لها لأن العالم ممزق، لأن الضمير ميت، وبيروت أمام هذا الموت والتمزق الكوني باقية تصدر انوار الجمال وانوار التوهج والعطف وتكون العروس التي يرتجف من جمالها العالم.