راحة الألفة: كيف يؤثر التعرض المحض على اختياراتنا؟

تأثير التعرض المحض، والذي يُعرف باللغة الإنجليزية بـ “Mere Exposure Effect”، هو ظاهرة نفسية تُظهر أن الناس يفضلون الأشياء التي يعتادون على رؤيتها أو التعامل معها بشكل متكرر، في حين يتكون لديهم رفض وحكم مسبق في غالبية الأحيان على الأشياء الأخرى التي لم يعتادوا عليها في حياتهم اليومية.
نص خبر ـ متابعة
تُعبر هذه النظرية عن الفكرة التي تقول إن التكرار يولد الألفة، وأن ما يُصبح مألوفًا لشخص ما يصبح محبوبًا أكثر، سواء كان منتجًا، شخصًا، أو فكرة.

تعود الجذور العلمية لمفهوم “تأثير التعرض المحض” إلى عالم النفس الاجتماعي روبرت زاجونك الذي صاغ هذا المصطلح لأول مرة في عام 1968. في دراساته، أظهر زاجونك أن الأفراد يطوّرون ميلاً إيجابيًا نحو الأشياء التي تعرضوا لها بشكل متكرر، حتى وإن كان هذا التعرض غير مباشر أو غير واعي. يُعد بحث زاجونك أحد الأسس التي انطلقت منها الدراسات النفسية المتعلقة بالتفضيل العاطفي والقرارات غير الواعية. وعلى مر العقود التالية، توسعت الأبحاث في هذا المجال لتشمل تأثير التعرض في مجالات متعددة، مثل التسويق، العلاقات الشخصية، واتخاذ القرار. كما أكدت الأبحاث أن الألفة الناتجة عن التعرض المتكرر تسهل على العقل معالجة المعلومات وتقليل التوتر، مما يجعلنا نميل لتفضيل ما هو مألوف.

التفسير العلمي الكامن وراء تأثير التعرض المحض يعتمد بشكل كبير على “الراحة النفسية” التي تولدها الألفة مع المكونات المختلفة في المجتمع والحياة اليومية. فكلما زاد تعرضنا لشخص أو شيء معين، قلّ القلق الذي نشعر به تجاهه، وزادت ثقتنا به. يُعزى هذا السلوك إلى ما يُعرف بـ “التعود النفسي”، حيث يتعامل العقل مع الأشياء المألوفة بطريقة تلقائية، ما يساهم في توفير الموارد المعرفية لمعالجة جوانب أخرى من البيئة.

التأثير لزيادة المبيعات

يمكن ملاحظة تأثير التعرض المحض في العديد من جوانب حياتنا اليومية. في الإعلانات التجارية، تستخدم الشركات الكبرى هذا التأثير لزيادة المبيعات، إذ مع تكرار الإعلانات نفسها، يصبح المنتج مألوفًا للمستهلكين، مما يزيد من احتمالية شرائه. وفي مجال الموسيقى والفن، يميل الأفراد إلى تفضيل الأغاني التي سمعوها من قبل على الأغاني الجديدة، مما يجعلنا نعود إلى أغاني أو أفلام مألوفة عندما نشعر بالتوتر أو نحتاج للراحة النفسية. حتى إذا لم يكن العمل الفني ممتازًا من منظور نقدي، فإن التكرار يولد ارتباطًا عاطفيًا معه، ويجعل فكرة تكراره مقبولة بشكل أكبر.

في العلاقات الشخصية، يتجلى تأثير التعرض المحض في زيادة التعلق بالشخصيات التي نراها بانتظام. لهذا السبب، قد نرى أن الأصدقاء المقربين أو زملاء العمل يتطور بينهم شعور بالتقارب مع مرور الوقت بسبب الألفة والتفاعل المستمر. يظهر تأثير التعرض المحض بشكل قوي أيضًا في الانجذاب الرومانسي، حيث يمكن أن يتطور شعور بالإعجاب تجاه شخص بسبب التفاعل المستمر معه، مما يؤدي إلى تحول العلاقات من زمالة أو صداقة إلى علاقة رومانسية نتيجة قضاء الوقت معًا واكتساب الألفة المتبادلة.

مشاعر إيجابية

بالرغم من أن تأثير التعرض المحض يمكن أن يؤدي إلى مشاعر إيجابية، إلا أن له جانبًا سلبيًا أيضًا. فالتعرض المستمر للمألوف قد يمنعنا من تجربة الجديد، ويقلل من انفتاحنا على الأفكار والأشياء غير المألوفة. على سبيل المثال، قد نجد أنفسنا نميل دائمًا لاختيار نفس المطاعم، أو الاستماع إلى نفس النوع من الموسيقى، أو حتى مواعدة أشخاص من نفس الدائرة الاجتماعية، ما يحد من فرصنا في اكتشاف خيارات أو تجارب جديدة.

لتقليل تأثير التعرض المحض على قراراتنا وتفضيلاتنا الشخصية في الحياة اليومية، يمكن اتباع بعض الخطوات العملية. من المهم أن نتوعية أنفسنا بوجود تأثير التعرض المحض، حيث يمكن أن يساعد هذا في اتخاذ قرارات أكثر وعيًا. قد يكون من المفيد أن نتساءل عن الأسباب الحقيقية لتفضيلنا لبعض الأشياء: هل نحن نحبها حقًا، أم أننا نحبها فقط لأنها مألوفة؟ يجب علينا أيضًا البحث عن تجارب جديدة وتحدي النفس لتجربة أشياء مختلفة وأفكار غير مألوفة، مما يمكن أن يساعد في تنمية نظرة أكثر شمولية للعالم. وأخيرًا، يمكن أن يساهم الخروج من منطقة الراحة من خلال تغيير الروتين وتجربة أماكن أو أنشطة جديدة في التغلب على تأثير التعرض المحض وتعزيز الانفتاح على الجديد.

قد يعجبك ايضا