تفاخر الملياردير الأمريكي ذو الأصول الجنوب أفريقية إيلون ماسك في الأشهر الأخيرة، بأدائه الاستثنائي على الصعيد العالمي في العديد من ألعاب الفيديو المعروفة بصعوبتها والتي تتطلب جهدا ووقتا كبيرين للتمكن من إتقانها.
“نص خبر” – متابعة
لكن لاحظ بعض مستخدمي الإنترنت وجود ماسك على الشبكة يوم الإثنين بينما في الوقت ذاته كان متواجدا في مبنى الكابيتول لحضور حفل تنصيب دونالد ترامب رئيسا جديدا للولايات المتحدة. وفيما اعترف رئيس منصة “إكس” منذ ذلك الحين بأنه قد غشّ في اللعب، ترى، ما الذي جعله يسوّق نفسه كـ”لاعب متشدد” من ذوي الخبرة الواسعة؟
وأخيرا ضُبط متلبّسا… بينما كان إيلون ماسك يحضر حفل تنصيب دونالد ترامب بواشنطن يوم الإثنين 20 يناير/كانون الثاني الجاري، لاحظ أحد المعلقين على ألعاب الفيديو في منصات التواصل الاجتماعي أن شخصية مرتبطة بحساب ماسك كانت نشطة على لعبة (باث أوف إكزايل 2) “Path of Exile 2″، وهي لعبة فيديو خاصة بتقمص أدوار، تجري أحداثها في عالم تسوده الغرائب والعجائب.
وعندما فضح أمره، انكشفت حقيقة هذا “اللغز” خلال محادثة خاصة على “إكس” بين إيلون ماسك والناشط على قناة يوتوب نيكو ريكس NikoWrex، الذي أكد أنه حصل على موافقة الملياردير لنشر اللقاء.
وسأل نيكو ريكس ماسك قائلا: “هل سبق وأن استخدمت “تعزيزا خاصا” لحسابك (طلب من شخص آخر اللعب بدلا منك) و/أو شراء معدات أو موارد لـ ‘Path of Exile 2’ و’Diablo IV’؟” وأجاب إيلون ماسك بكل أريحية: “من المستحيل أن تتغلب على اللاعبين الآسيويين إذا لم تفعل ذلك”، مؤكدا أن “الجميع” يفعل الشيء نفسه.
وبالأحرى، كان الرئيس المدير العام للشركة العملاقة سبايس إكس SpaceX يدفع للاعبين ذوي خبرة لرفع مستوى شخصياته في الألعاب.
لكن، وعلى الرغم من أن تعزيز الحسابات أمر شائع في الألعاب متعددة اللاعبين على الإنترنت، إلا أن هذه الطريقة غير عادلة وتثير استياء كبيرا لدى “مجتمع اللاعبين”. خاصة وأنها تتعارض وشروط استخدام اللعبة وقد تؤدي إلى الحظر – رغم أنه في كثير من الأحيان يصعب إثبات الاحتيال.
وعلى أحد المواقع الشائعة التي يراودها اللاعبون ينتقد أحدهم بسخط على منتدى “ريديت” Reddit قائلا: “الجميع يفعل ذلك، إنها العبارة المفضلة للمجرمين والغشاشين”. بينما يستنكر آخر السلوك “المثير للشفقة” الذي يتحلى به أغنى شخص على هذا الكوكب.
المهزلة
وقد تم التأكد من هذه “الخدعة” بعد أشهر من التكهنات والشكوك حول المستوى الحقيقي لأداء إيلون ماسك في العديد من الألعاب المعروفة بأنها صعبة وتحتاج للكثير من الوقت.
لقد بدأت هذه القضية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما ادعى الملياردير أنه واحد من أفضل 20 لاعبا في العالم في أحد أصعب التحديات الخاصة بلعبة “ديابلو4 – “Diablo IV.
وبرر إيلون ماسك آنذاك مستواه قائلا على منصة إكس: “ألعاب الفيديو هي نشاطي الرئيسي عندما لا أعمل ولست مع عائلتي أو أصدقائي… في الحقيقة أنا محرج بعض الشيء من الوقت الهائل الذي أمضيه في اللعب”.
شغف الملياردير بألعاب الفيديو حقيقي، لكن ذلك لم يمنع تسرب الشكوك حول مستواه الحقيقي في أوساط اللاعبين غير المتسامحين مع فئة “الغشاشين”.
والسؤال المحيّر هو: كيف يمكن لرئيس شركات رائدة مثل سبايس إكس وتيسلا، الموجود في كل مكان على شبكات التواصل الاجتماعي والذي أصبح اليد اليمنى للرئيس الجديد دونالد ترامب، أن يجد الوقت للعب…؟
لكن، قد يرى المولعون بالملياردير في ذلك، علامة ذكائه القوية وقدرته الاستثنائية في العمل. وتشرح الصحافية وعضو مؤسس في أوريغامي الوسيلة الإعلامية المتخصصة في ألعاب الفيديو، هيلوييز لينوسييه قائلة: “إيلون ماسك يتكلم كثيرا عن أدائه في ألعاب الفيديو… فهي طريقته لترسيخ صورة الرجل الخارق الذي يريد إعمار كوكب المريخ، ويستخدم في ذلك جميع الوسائل على غرار عنصر الرجولة وكل ما له علاقة بتأليه الأداء والذكاء…”.
وبالمقابل، يشكك آخرون من لاعبين ومنشئي محتوى في موهبته وقدراته في إتقان ألعاب الفيديو. فهو صاحب غرور كبير، لا يكل ولا يمل من التفاخر على منصة إكس التي يملكها. فقد ثبتت الشكوك خلال مرحلة لعب على المباشر شارك فيها وبثها إيلون ماسك بنفسه يوم 7 يناير/كانون الثاني. فقد كُشف أمر هذا “اللاعب الخارق” في لعبته المفضلة باث أوف إيغزايل 2 “Path of Exile 2” التي تشبه إلى حد ما طريقة لعب “Diablo IV”.
وعلى الرغم من امتلاك صاحب منصة إكس، شخصية ذات مستوى عال في اللعبة إلا أنه بدا وكأنه يكتشف أبجدياتها. لم يستطع إدارة مخزون اللعبة ولا حتى التعرف على خريطة العالم. أداء حصد أكثر من أربعة ملايين مشاهدة، واتفق الجميع على أنه ليس جديرا بشخصية تم تطويرها على مدى مئات الساعات من اللعب.
وتلخص هيلوييز لينوسييه قائلة: “بكل بساطة، لم ينقر على الزر في المكان الصحيح، ولم يكن يستخدم الأدوات اللازمة… باختصار، رأينا أنه كان تائها تمامًا بيد أن الوصول إلى هذا المستوى يستوجب أن تمضي فعلا وقتا كبيرا في اللعب”.
ظلال ستيف بانون
ولكن، كيف يمكن تفسير أكاذيب إيلون ماسك بخصوص مهاراته في ألعاب الفيديو؟ وهل ينبغي أن نرى في هذه الخدعة رغبة في الحفاظ على الأسطورة فقط؟ أي عرض صورة قائد التكنولوجيا “الرائق” محب الماريغوانا وألعاب الفيديو؟
يبدو أن اقتحام رجل الأعمال الأمريكي عالم ألعاب الفيديو المدجج باللاعبين الأكثر مهارة ليس بريئا إذ ترى هيلوييز لينوسييه أنه “منذ فترة، يتم استخدام ألعاب الفيديو في السياسة للوصول إلى مجموعات لا علاقة لها بوسائل الإعلام التقليدية، وكان أول من فهم ذلك هم أصحاب اليمين المتطرف”.
كما أن لهذه الظاهرة ارتباطا وثيقا بتاريخ “الترامبية” (نسبة لدونالد ترامب) في الولايات المتحدة. ومن بين أوائل الذين فهموا القدرات السياسية غير المتوقعة لدى لاعبي الفيديو هو المنظّر ذو التوجه اليميني المتطرف والمستشار المقرب السابق لدونالد ترامب، ستيف بانون.
في العام 2005، كان ستيف بانون مسؤولا عن جمع الأموال لشركة “زراعة الذهب” في هونغ كونغ. ويكمن هذا النشاط في اللعب بطريقة “احترافية” عبر الإنترنت لكسب نقاط أو أرصدة ثم بيعها. بانون لم يكن يفقه شيئًا في ألعاب الفيديو، لكن تتبعه لمنتديات اللاعبين جعله يكتشف منجما من الذهب.
في كتابه “مساومة الشيطان” الصادر عن دار النشر “بينغوين برس” في 2017، “The Devil’s Bargain” (Penguin Press)، قال الصحافي جوشوا غرين :”إنهم ملايين الشباب الشغوفين والتائهين لأيام وأسابيع في عوالم افتراضية، وابتعادهم عن المجتمع لا ينقص من ذكائهم بتاتا ولا من عزمهم. كما أنهم متسقون في أفكارهم… لقد تساءل بانون عن إمكانية استغلال هذه القوى الكبيرة… بالطبع نعم…”.
ومن جانبها، تعتقد هيلوييز لينوسييه أن “هناك تشابها بين نظريات ستيف بانون وحقيقة تواجد إيلون ماسك الدائم على ألعاب الفيديو”. وتضيف قائلة: “إنها طريقته في إبلاغ الآخرين بأنه مثلهم، ومن ثم نقل رسالته بسلاسة إلى 213 مليون مشترك على حسابه بمنصة إكس.
هذا، وفي نهاية الحوار الخاص بين إيلون ماسك ونيكو ريكس على منصة يوتيوب، سأل الأخير عما إذا كان الملياردير ورئيس منصة إكس يفكر في الاعتذار لمجتمع لاعبي (باث أوف إكزايل 2) “Path of Exile 2”. أجاب إيلون ماسك بكل أريحية قائلا: “ما الذي يجب أن أعتذر عنه؟”
أما الآن فتتجه كل الأنظار نحو بليزارد إنترتاينمنت وغريندينغ غير غايمز Blizzard Entertainment وGrinding Gear Games، ناشري الألعاب المعنية، لمعرفة ما إذا كانوا سيحظرون حسابات إيلون ماسك. وهو أمر غير مرجح نظرا للدعاية المجانية الهائلة التي اكتسبتها جراء الغشاش الفريد من نوعه.
