حلَّ مسلسل “معاوية” ضيفًا في موسم رمضان 2025 على الشاشات العربية، حاملاً معه سؤالًا جريئًا: كيف نرى التاريخ بعيونٍ تبحث عن الإنسان خلف صخب الأحداث؟
“نص خبر”ـ متبعة
الكاتب المصري خالد صلاح، أحد أبرز صانعي العمل، يفتح قلبه للجمهور عبر منشور على فيسبوك، متحدثاً عن فلسفة المسلسل التي ترفض الانحياز لروايات التاريخ المتنازعة، وتغوص في دهاليز النفس البشرية لترسم شخصية معاوية بن أبي سفيان كإنسانٍ عاش تحت وطأة الزمن، لا كتمثالٍ يُحاط بسياج القداسة أو يُرجم باللعنة.

من البداية: مشروعٌ يرفض صناعة الأبطال والشرِّ المطلق
“لم يكن معاوية مجرد رجل دولة يخوض معاركه على أسنة الرماح، بل كان كيانًا صاغته النار.. قاسيًا حين تستدعي الحاجة، ولينًا حيث ينبغي التروي”، بهذه الكلمات بدأ صلاح حديثه عن الشخصية التي ظلَّت لعقودٍ ساحةً لمعركةٍ بين مَنْ يمجِّدها كبطلٍ سياسي، ومَنْ يلعنها كرمزٍ للانحراف، مؤكدًا أن فريق العمل مع MBC Studios توافق منذ اللحظة الأولى على هدفٍ واحد: الابتعاد عن حروب الروايات، والاقتراب من الإنسان الذي وُضع في قلب الزلزال.
“أردنا أن ننظر إلى معاوية لا كخليفةٍ نقش اسمه على دواوين الحكم، بل كفتى نشأ تحت سقف بيت العظمة في قريش، ثم فجأةً اهتزت الأرض من تحت قدميه”، يشرح صلاح كيف تحوَّلت حياة معاوية من النعيم إلى الجحيم مع هروب أخته رملة إلى الحبشة، وانكسار أمه هند التي خسرت أبيها وأخاها في معركة بدر، ثم وقفت بعد سنواتٍ أمام النبي محمد لتعلن إسلامها، في مشهدٍ يطرح سؤالًا: كيف يُفكِّر طفلٌ في عمر معاوية وهو يشهد تحوُّل قريش من القبيلة القوية إلى المغلوبة، ثم إلى القائدة الجديدة للدين؟.
مفتاح الشخصية: حكيم الزمن الصامت في عصر السيوف
“لم يكن معاوية رجل سيفٍ كخالد بن الوليد، ولا ناسكًا كعلي بن أبي طالب، ولا قارئًا للغيب كحذيفة بن اليمان.. لقد أدرك مبكرًا أن الحرب قد تكون مصيدةً للمتعجلين، وأن النصر الحقيقي هو الصمود حين يسقط الآخرون”، بهذه العبارات يلخِّص صلاح فلسفة معاوية الذي اختار إدارة المعارك بالعقل لا بالغضب، مُظهرًا تناقضات رجلٍ جمع بين قسوة السياسة ورقَّة الإنسانية.
لكن الحياة لم تمر عليه بلا خسائر: فقد زوجته الأولى التي كانت نورًا في ظلام صراعاته، وشهد ابنه عبد الرحمن يغادر العالم فانطفأت شعلة الأبوة في قلبه، وودَّع أخاه يزيد ضحيةً للطاعون، ثم جاءت ميسون بنت بحدل لتحمل له الحب، لكنها فضَّلت بساطة البادية على ترف القصور، تاركةً إياه وحيدًا أمام أسئلة الوجود التي لا تجيب عنها الذهب ولا الحرير.
الطعنة الكبرى: دم عثمان بن عفان وتحوُّل المسار
يصف صلاح لحظة التحوُّل الدراماتيكية في حياة معاوية: اغتيال عثمان بن عفان، الخليفة الذي رأى معاوية نفسه وليًّا لدمه، ومسؤولًا عن تحقيق العدالة كما يراها. “هنا، لم يعد معاوية مجرد والٍ للشام، بل أصبح رجلًا يحمل عبء الدم والثأر”، مشيرًا إلى أن الصراع مع علي بن أبي طالب لم يكن خيارًا شخصيًا، بل نتيجة معادلةٍ حكمتها السياسة بقدر ما حكمها الدم.
“لم يكن المسلسل عن رجلٍ يسعى للسلطة لذاتها، ولا عن بطلٍ خُلق لينتصر أو يُهزم”، يؤكد صلاح، “بل عن إنسانٍ تعلم كيف يتحايل على الريح، ويبحر في عواصف التاريخ بحكمة من يعرف أن الزمن هو اللاعب الأذكى”.
ويختم صلاح رؤيته بالقول: “في مسلسل معاوية، لم نكتب التاريخ كحكايةٍ عن صحابة تقاتلوا، بل حاولنا أن نرى الروح التي عاشت وتألمت، ساقتها الضرورة تارةً إلى الهدى، وتارةً إلى الخطيئة، تمامًا ككل البشر”. العمل يقدِّم معاوية ليس كحاكمٍ نقش اسمه في الكتب، بل كإنسانٍ خاض صراعه الأكبر مع ذاته، قبل أن تطحنه طاحونة الأحداث، في رحلةٍ تذكِّرنا أن التاريخ لا يُختزل في حبر المادحين أو قذف اللاعنين، بل في نبض القلب الإنساني الذي ينبض تحت دروع السياسة وألغاز المصائر.