الدراما المشتركة تغرق في البؤس.. دراما لا لون لها سوى السّواد

14 أبريل 2023
“نص خبر”- بيروت

 

مافيا، مخدرات، أقبية مظلمة، حواري ضيّقة حيث يعشعش البؤس وتنمو علاقات غير سويّة، شخصيّات هشّة، وأبطال من ورق، باختصار هي عناوين عريضة لما اصطلح على تسميته دراما مشتركة، تجمع بين العنصرين اللبناني والسوري لأسبابٍ تسويقيّة، جعلت من دراما المافيات موضة تتسابق لشرائها كبرى المحطات منذ سنوات.

فمن الإبهار في الصورة إلى صورٍ قاحلة لا ألوان فيها، سقطت الدراما المشتركة في فخ البؤس، لتعرض لمشاهد عربي يغرق في مآسيه، مآسٍ يشبه بعضها نشرات أخبار.

من المسلسلات التي تثير الجدل هذا الموسم، “للموت” المسلسل المستمر منذ ثلاث سنوات، انتقل في موسمه الثالث من مغامرات سحر (ماغي بو غصن) وريم (دانييلا رحمة) في عالم المافيا في بيروت، إلى تونس حيث عالم المافيا الأسود نفسه، القتل المجاني، والمخدرات والأقبية المظلمة، وخطف الفتيات وتشغيلهنّ في أعمال المخدرات والدعارة.

بطلتا المسلسل خارقتان، لا شيء يهزمهما حتّى الموت، حيث وجدت كاتبة العمل ندين جابر، مخرجاً درامياً أعادت فيه بطلتاها إلى الحياة بعد انتهاء الموسم الثاني بموتهما، دون أي منطق يرجى من دراما الفانتازيا القائمة على الخيال.

في تونس كما في بيروت، تتورّط سحر وريم في عالم المافيا، تصارعان رؤوساً كبيرة تدير عصابات خطيرة، القتل مجاني، وتعاطي المخدرات كما السجائر متاح، والخطر محدّق لكنّ البطلتان قادرتان على إحداث هزيمة حتى عندما تلعبان على أرضٍ ليست أرضهما ومن دون جمهور. انضمت إليهما في هذا الموسم الممثلة ورد الخال، كما انضمّ الممثلون السوريون فايز القزق ومهيار خضور ويامن الحجلي، أدوارهم لا لمعة فيها، ووجودهم لاكتمال مشهد الدراما المشتركة فحسب.

المسلسل يحمل توقيع المخرج فيليب أسمر، الذي نجح في تغليف الأجواء القاتمة بصورة مشعّة، قادرة على جعل هذا البؤس محتملاً.

مسلسل وأخيراً

من المسلسلات المشتركة هذا العام أيضاً “وأخيراً”، (قصة بلال شحادات، كتابة إخراج أسامة عبيد الناصر) لبطليه نادين نجيم وقصي خولي في ثنائية هي الثالثة للنجمين بعد “خمسة ونص” و”عشرين عشرين” المسلسلان اللذان حقّقا نجاحاً جماهيرياً كبيراً لدى عرضهما قبل سنوات.

توقّعنا قصّة حب لطيفة بين الفنانين، بعد تجربتين قامتا على دراما المافيات والعنف، إلا أنّ “وأخيراً” لم يخرج عن سابقيه، فغرق في عالم المافيا، وأغرق المشاهدين في دوامة بؤس زادتها كآبة كاميرا المخرج المرتبكة، والنص الضعيف الذي تخلّى عنه كاتبه الأصلي، فأكلمه المخرج مع ورشة كتاب.

نص يخلو من أي لمعة، لم يفلح حتى نجومه الكبار مثل القديرتين منى واصف ووفاء طربيه في إخراجه من دائرة المراوحة. تدور معظم أحداثه داخل قبو مظلم، اقتيدت إليه بطلة العمل نادين نجيم وصديقاتها اللواتي نجحن في الخروج إلى الضوء، وظلّت هي ومعها المسلسل في ظلام حيث لا نقطة ضوء.

أجواء العمل قاتمة، لا قصص جانبية، ولا حوارات لامعة، ولا إخراج قادر على منع تسلّل الظلام إلى نفوس المشاهدين. دعسة ناقصة لأبطال العمل، دون أي عذر تخفيفي.

من الأعمال المشتركة أيضاً “النار بالنار”، مسلسل يدور داخل حارة ضيقة، تختصر معاناة اللبنانيين والسورين من تداعيات النزوح، يكشف عن أحقاد متبادلة بصورة فجّة لا تراعي ردود الفعل.

تدور كاميرا الدرون في الحواري الضيقة، حيث البؤس، لا شيء سوى البؤس، يغرق العمل في نمطيته السردية، والكاراكتيرات الكليشيه، يشفع له أنّ لديه ما يقوله.

في الحي، يلعب الممثل عابد فهد دور “الفتوة” الذي يمسك رقاب الجميع بفرضه عليهم ديوناً بفوائد مرتفعة، لا يقم اعتباراً لجيرة ولا لعشرة، شخصيّة مقيتة مستفزّة.

سكّان الحي يائسون، محطّمون، عجنتهم الحياة وطحنتم فأصبحوا أشبه بأشلاء تسير على الأرض تعيش دون جدوى. عزيز (جورج خباز) الذي يعيش حقداً وعزلة منذ اختطاف والده على يد قوات الردع السورية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، جميل ( طارق تميم) اليساري المهزوم فكرياً وعاطفياً، غرق في عالم إدمان الكحول والقمار، سارة (زينة مكي) المنبوذة من أسرتها بعد زواجها على طريقة الخطيفة، مريم (كاريس بشار) النازحة السورية التي فقدت كل شيء حين جاءت إلى بيروت حتى أوراقها الثبوتية، عانت الظلم في بلدها وفي بلد اللجوء، حيث مارس الضعيف عليها نشوة الانتصار فلم يزدها إلا شراسة، زكريا (طوني عيسى) المتشدّد دينياً، نموذج منفر، وكليشيه مضخّم يجعل من احتمال هذه الشخصية ولو على التلفزيون مهمة مستحيلة.

أجواء المسلسل قاتمة، الحي أشبه بقبو مظلم خانق حيث الجميع مخطوف، يتلاعب بمصيره مرابٍ، ويتحمّل تداعيات انهيار مجتمعي يدفع ثمنه صغار لا حول لهم ولا قوّة.

يختلف “النار بالنار” عن سابقيه أنّ لديه ما يقوله، وهي نقطة المقتل التي أصابت المسلسلات المشتركة منذ سنوات، إذ أن أغلبها ينطلق من عناوين عريضة، ولدى التنفيذ، يغرق في تكرار مميت، مراهناً على أنّه يمسك المشاهدين من رقابهم، بوصفة مضمونة النجاح، نجوم محبوبون، وقصص سبق لها أن نجحت، فعصرت حتى آخر قطرة نجاح، والنتيجة.. دراما لا لون لها سوى السّواد.

قد يعجبك ايضا