مسلسل روسي يطرح إشكالية: ماذا يحصل لو شاركنا الإنسان الآلي حياتنا؟

3 أبريل 2023

إيمان إبراهيم

انتحر قبل أيام شاب بلجيكي بعد أن قضى شهراً في التحاور مع برنامج دردشة الذكاء الاصطناعي “ليزا”، ناقش خلاله قضايا بيئية وخلص إلى نتيجة مفادها أنّ الحياة على هذه الأرض باتت شبه مستحيلة.

انتحار الشاب أجّج المخاوف من سيطرة الذكاء الاصطناعي، خصوصاً مع قنبلة  ChatGPT التي رسمت هواجس حول ما ينتظرنا في المستقبل، إذا ما سيطر الذكاء الاصطناعي على وظائفنا، لنصبح حينها عاطلين عن العمل في مستقبل قد تحكمه الروبوتات.

هذه الهواجس ألهمت صنّاع الدراما منذ سنوات، منها صنّاع مسلسل روسي يحمل عنوان Better than us، المنتج منذ العام 2018 والذي بدأت “نتفليكس” بعرضه مؤخراً.

قد تتساءل في البداية ماذا يفعل مسلسل روسي على نتفليكس، التي أوقفت كل نشاطاتها في روسيا بسبب تداعيات الحرب على أوكرانيا، إلا أنّ مشاهدة العمل تأخذك إلى أسئلة أخرى، منها ماذا ينتظرنا لو اقتحم الإنسان الآلي حياتنا؟

المسلسل تدور أحداثه في المستقبل، المستقبل القريب الذي كان يبعد عن إنتاج المسلسل 11 سنة فقط، عام 2029، حين يصبح الإنسان الآلي من نسيج المجتمع، يحظى بشكل الإنسان الحقيقي، لا شكل الروبوت المتعارف عليه، والذي استهلك في الأعمال السينمائية والدرامية بدءاً من فيلم Bicentennial Man  لروبن ويليامز المنتج عام 1999، والذي تطرّق إلى رجل آلي يملك كل مشاعر البشر ويعيش مخلداً يرى حوله الأحبة يموتون واحداً بعد الآخر، فيقرر بدوره أن يموت في خلاصة مفادها أنّ الحياة بعد رحيل كل الأحبة لا تطاق، وأنّ العمر المديد ليس دائماً نعمة، وأنّ فكرة أن تكون مخلّداً وأحباؤك يرحلون، فكرة سادية مازوشية تحوّل الحياة إلى جحيم لا ينتهي.

بالعودة إلى المسلسل الروسي، يبدو أن صناع العمل كانوا متفائلين جداً، أقله أنّهم افترضوا أنّ أحداثاً كهذه ستدور في العام 2029، وأنّ العالم لن يكون على أهبة الاستعداد لاستقبال إنسان آلي، بل سيكون قد اعتاده وقد أصبح جزءاً من حياته، في حين أنّ الأعمال التي تحدّثت عن المستقبل كانت دائماً قاتمة وسوداوية.

فقد رسم المسلسل الإسباني المنتج عام 2020 The Barrier صورة قاتمة عن مستقبل توقعناه حافلاً بالاختراعات التي تسهّل حياة البشر، فانقلبت التكنولوجيا بحروبها البيولوجية حتى على صانعيها.

تدور أحداث المسلسل عام 2045، بعد انتهاء الحرب العالمية الثالثة، ونشوء أنظمة دكتاتورية، وانتشار وباء قاتل، وفقر قسّم المجتمع إلى قسمين، واحدٌ للأغنياء والثاني للفقراء، الذين عليهم أن يعبروا سياجاً ليتمكنوا من العمل لدى أصحاب الثروات، مع نظرة سوداوية إلى المستقبل، ولمحة عن مسار الأوبئة واللقاحات حين يتحوّل البشر إلى فئران تجارب.

من الأعمال التي تحدّثت عن المستقبل أيضاً Sweet Tooth الذي سيعرض موسمه الثاني على نتفليكس بعد أيام. يصوّر المسلسل العالم بعد عشر سنوات على انتشار وباء قضى على كل مظاهر الحضارة والتطوّر على الأرض، عالم ما بعد الجائحة تسوده الفوضى، لا شيء  فيه يسير على النّظام طالما أنّ أي إنسانٍ قد يكون في نهاية اليوم عرضةً لفيروس قاتل لا علاج له.

SWEET TOOTH (L to R) CHRISTIAN CONVERY as GUS in episode 107 of SWEET TOOTH Cr. KIRSTY GRIFFIN/NETFLIX © 2021

من الأفلام التي تطرقت إلى المستقبل أيضاً، فيلم What Happened to Monday?  المنتج عام 2017، والذي يصوّر المستقبل بصورة قاتمة جداً، وتحديداً عام 2073، حين تضيق الأرض بسكانها، ويصبح عدد سكان الأرض أكثر من عدد مواردها، فتقرر الحكومة اعتماد سياسة الطفل الواحد على طريقة الصين، وفي هذه الأثناء تلد إحدى النساء سبع فتيات توائم دفعة واحدة، فيقرر الجد الاحتفاظ بهنّ جميعاً بعد وفاة ابنته وهي تلدهن.

ولأنّ الخروج من المنزل والتجوّل على المعابر يحتاج إلى بطاقة ممغنطة، يطلق على الفتيات أسماء أيام الأسبوع، وتخرج كل واحدة منهن في اليوم المقرر لها، إلى أن تفقد الفتاة المسماة اثنين، وتصبح كل شقيقاتها سجينات المنزل بانتظار عودتها.

فيلم يخبرنا عما ينتظرنا في المستقبل البعيد إذا ما استمر البشر في التكاثر، وسط تضاؤل المحصول الزراعي وعجز الأرض عن تلبية احتياجات سكّانها.

بالعودة إلى المسلسل الروسي Better Than us، يصوّر المسلسل مجتمع ما بعد الإنسان الآلي، حين يصبح هذا الأخير جزءاً من حياة بشر، تخطوا مرحلة الدهشة والاستغرب والانبهار، ليتعايشوا مع هذه المخلوقات التي تملك كل الميزات البشرية باستثناء المشاعر.

تطوّر شركة خاصة إنسانة آلية قادرة على الإحساس حدّ التطرف، لدرجة أنها تقتل أي شخص يقترب من الأشخاص الذين تسجّل دخولهم إلى عالمها الآلي على أنهم أفراد عائلتها.

تمتلك كل صفات المرأة المتعارف عليها أنّها أيقونة جمال، كما تمتلك قوى خارقة تجعلها قادرة على القيام بكل أعمال المنزل، وعلى إعداد وصفات طبخ صحي، مع احتساب السعرات الحرارية لكل طبق، والإجابة على كل الأسئلة العلمية على طريقة محرك البحث غوغل، وعلى التعاطف مع أفراد الأسرة، وعلى إزهاق روح أي شخص يقترب منهم. حتى مسألة القتل يصوّرها المسلسل بطريقة إيجابية، هدفها الوفاء لأصحابها، جرائمها مبررة فهي بالنهاية مجرد آلة صنعها إنسان غالى في مواصفاتها، فاستحالت كل الأمور إلى نقيضها.

مجتمع الإنسان الآلي في المسلسل يسهّل حياة البشر، يغنيهم عن موظفين التعامل معهم مشقّة، يجعل منهم ممرضاً يهتم برجل عجوز، ومربية تهتم بالأطفال الصغار، ورجل استقبال على باب شركة لا يكل ولا يمل ولا يتأفف، وغيرها من الوظائف في مجتمع يعاني البطالة أصلاً، ما يفجر سخطاً على الآليين وتنشأ منظمات لتدميرهم، في نظرة مستقبلية على مجتمع التطور التكنولوجي حين يصبح الإنسان لزوم ما لا يلزم وتتقلص الوظائف لتصبح شبه منعدمة.

المسلسل مختلف لم تشاهد مثله من قبل، لم يغرق في عالم الخيال العلمي بشكل منفصل عن المجتمع، بل أعطى روحاً وحياةً حتى للآلة المصنّعة، إلا أنّه بدا حالماً يصوّر عالم عام 2029 عالماً متطوراً تعبر فيه الطائرات المسيّرة كما السيارات، وتزرع الشرائح في ذراع المستهلك بدل الهاتف، مع مراعاة لأدق التفاصيل في عالم يسير بصورة مدهشة، كما تتمناه أن يكون، رغم  مغالاته في تقدير المستقبل القريب، ونحن لا زلنا نلملم تبعات الجائحة ونتحضّر لجوائح محتملة، نعاني الكساد الاقتصادي وتداعيات التغيّر المناخي وحروباً لا تنتهي، لا شيء يبشّر أن المستقبل أقلّه القريب سيكون على شاكلة Better than us.

قد يعجبك ايضا