أزمة النازحين السوريين في لبنان تنفجر.. أرقام مخيفة ومفوّضيّة اللاجئين تحذّر
الاثنين 24 أبريل 2023
خاص “نص خبر”
عادت مسألة النازحين السوريين لتطغى على ما عداها من قضايا في لبنان، حيث لعبت وسائل إعلام محليّة دوراً في التحريض على النازحين من بوابة الانفجار الديموغرافي، والتحذير من توطين أكثر من مليوني سوري في لبنان، بينما اكتفت أخرى بالتحذير من الخطاب الشعبوي الذي تحوّل إلى خطاب عنصري تحريضي لا تحمد عقباه.
فخلال الأيام الماضية، شهد لبنان حملة غير مسبوقة على النازحين، حتّى أنّ مشهد أطفال سوريين يسبحون في بركة الشهيد سمير قصير غير المخصصة للسباحة في وسط بيروت، فجّر جدلاً لم ينته بعد، حول طبيعة الوجود السوري الذي قال مناهضوه إنّه غيّر الوجه الحضاري للعاصمة اللبنانية، في حين اعتبر البعض أنّ الحملة هي أبشع وجوه العنصرية التي تجلّت في الهجوم على أطفال لا حول لهم ولا قوة. وعكست الهجمة ضيق شريحة واسعة من اللبنانيين بما اعتبروه احتلالاً للنازحين لبلدهم، حيث فاقت أعداد النازحين المليونين في بلد يرزح تحت انهيار اقتصادي وصفه البنك الدولي بأنّه الأكبر منذ القرن التاسع عشر.
وفي أوّل أيام عيد الفطر، تجدّدت الحملة على النازحين، من بوابة فيديوهات تمّ نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، لعائلات سورية تحتفل على كورنيش المنارة وعين المريسة البحري، حيث ظهرت شباب وهم يدبكون والأولاد يلعبون، بعدها انتشرت صوراً للكورنيش البحري وقد امتلأ بالنفايات، الأمر الذي أثار موجة غضب عارمة في صفوف لبنانيين، تساءلوا كيف أنّ النازح يحتفل بالعيد في حين أن أهل البلد لا يجدون قوت يومهم، وهاجم أخرون الزوار الذين حوّلوا أجمل كورنيش في العاصمة إلى مكب نفايات، بينما اعتبر آخرون أنّ الخلل تتحمله بلدية بيروت وعناصرها الذين يتهاونون في محاسبة من يرمي النفايات على الطرقات العامة، ويستهترون في إعادة تنظيفها.
الجدل لم يكن وليد الأيام الماضية، بل يمتد إلى سنوات بيد أنّه انفجر مؤخراً قبيل الانتخابات البلدية التي كان من المقرر إجراؤها الشهر المقبل، قبل أن يتم تأجيلها إلى العام المقبل بسبب عدم تأمين التمويل اللازم لها.
وقد قامت بعض الأحزاب اليمينية وعلى رأسها التيار الوطني الحر بالتحريض على النازحين كجزء من الحملة الانتخابية، وقام الإعلام التابع لهذه الأحزاب بشيطنة تجمعات النازحين، والتخويف من انفجار ديموغرافي، والتصويب على الجرائم التي يرتكبها بعض النازحين، والتحذير من نوايا مبطّنة لدى المجتمع الدّولي بتوطين النازحين في لبنان.
وتغمز هذه الأحزاب من قناة أنّ معظم النازحين السوريين لا تنطبق عليهم بنود “اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 وبروتوكول عام 1967 الخاصَّيْن بوضع اللاجئين”، وأنّ على لبنان تفعيل هذه الإتفاقية وتطبيقها المطالبة بإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم.
وكان الجيش اللبناني قد تسلّم عبر مديرية المخابرات، ملف النازحين السوريين، لجهة المخالفات، بمعنى أنّ أي فرد مخالف يقيم من دون أوراق رسمية وإقامات، سيتمّ توقيفه وتسليمه فوراً الى الجهة المختصة من أجل ترحيله إلى سوريا.
أرقام مخيفة
يقدر الأمن العام اللبناني عدد السوريين المقيمين في لبنان بمليونين و80 ألف لاجئ، معظمهم لا يملكون أوراقاً نظامية، في حين تظهر بيانات المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين أن المسجلين لديها يبلغون 840 ألف لاجئ، ويوجد نحو 3100 مخيم منتشرة على الأراضي اللبنانية، ومعظمها في البقاع والشمال.
كما تشير الإحصاءات إلى أنّ عدد الولادات السورية في لبنان يناهز الـ250 ألفا سنوياً في مقابل 54 ألف ولادة لبنانية، وأشار محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر إلى أن نسبة النازحين السوريين في المحافظة الذين ولدوا في لبنان، أي الذين أعمارهم دون 12 عاماً، تشكل 48 في المئة من مجمل النازحين.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أنّ الكثير من الولادات لا يتم تسجيلها، ما يجعل الأطفال مكتومي القيد، وهو ما تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع المنظمات الدولية ولا سيما مفوضية شؤون اللاجئين، على أرشفتها وإيجاد حلول له.
وأشارت إحصاءات أخيرة إلى أن عدد الأطفال السوريين المسجلين منذ عام 2011 حتى الآن هو 221 ألفاً من أصل 814 ألف مولود، وتقوم الجهات المعنية باتخاذ كل الإجراءات القانونية المطلوبة لإيصال أوراقهم الثبوتية إلى ما يعرف بسجلات الأجانب، ليتم بعدها إجراء الخطوات المطلوبة لناحية تسجيلهم في السفارة أو في بلدهم.
عدد المسجلين للعودة صادم
حسب أرقام مديرية الأمن العام اللبناني، بلغ عدد العائدين أخيراً من النازحين السوريين ألى بلادهم عبر عملية العودة الطوعية الآمنة 701 نازح. وفي حين أنّ المديرية مستمرّة في تسجيل الراغبين في العودة الطوعية عبر مراكز الأمن العام الإقليمية، وقد تسجّل حتى مطلع فبراير الماضي 100 نازح فقط. ولذلك، لم يتم تحديد موعد محدد للدفعة الثانية في انتظار استكمال التسجيل.
وكان لبنان قد وضع في خريف 2022 خطة لإعادة 15 ألف لاجئ إلى سوريا شهرياً، ورأت الحكومة اللبنانية أن ذلك ضروريا بسبب الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي تعصف بلبنان منذ 2019. إلا أن الخطة تصطدم برفض الأمم المتحدة، التي ترى أن الأمن لم يستتبّ بعد في سوريا، وتطلب من بيروت التريث في الوقت الراهن.
مساعدات الأمم المتحدة
يعتبر اللبنانيون أنّ المساعدات الدولية التي تُقدّم للنازحين السوريين في لبنان، خصوصاً من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، تُشكّل العامل الأساس المُساهم في تشجيع النازحين على البقاء في لبنان بدلاً من حضّهم على العودة إلى بلادهم.
ومع الانهيار الاقتصادي الذي شهده لبنان في خريف 2019، وانهيار العملة المحلية، وفقدان اللبنانيين 90 بالمئة من قدرتهم الشرائية، فقد النازحون السوريون الذين يحصلون على مساعدات من الأمم المتحدة التعاطف معهم، إذ تحوّلوا إلى العنصر الأقوى في لبنان بعد أن كانوا يصنفون ضمن الفئات الأضعف.
وقد أعلن نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون مؤخراً، أن 80 بالمئة من نزلاء المستشفيات في لبنان سوريون، يحصلون على استشفاء مجاني، في وقت توقفت فيه الجهات الضامنة عن دفع الفواتير المستحقة إلى المستشفيات، فبات الاستشفاء حكراً على أصحاب رؤوس الأموال، والنازحين الذين يحصلون على مساعدات من المنظمات الدولية، ولبنانيين يستعيرون بطاقات الاستشفاء من النازحين ليتمكنوا من الحصول على العلاج مجاناً.

الجيش اللبناني يرحّل نازحين قسراً
كشف مسؤول عسكري لوكالة “فرانس برس”، أنّه “تمّ ترحيل أكثر من 50 سوريًّا من قبل الجيش اللبناني، في نحو أسبوعين”.
وأشارت المصادر للوكالة، إلى أنّ “مديرية المخابرات في الجيش اللبناني تقوم بتسليم الموقوفين المخالفين إلى فوج الحدود البرّيّة، الّذي يتولّى وضعهم خارج الحدود اللّبنانيّة”. وأوضح المسؤول العسكري تعليقًا على هذه الخطوة، أنّ “مراكز التوقيف امتلأت”، ورفضت الأجهزة الأمنية الأخرى استلام الموقوفين السّوريّين.
وذكر أنّ “السّلطات اللّبنانيّة لم تنسّق جهودها مع دمشق”، مبيّنًا أنّ “عددًا من النّازحين الّذين تمّ ترحيلهم، عادوا إلى لبنان بمساعدة مهرّبين، مقابل 100 دولار عن كلّ شخص”.
بدورها، أكّدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لـ”فرانس برس “، أنّها “تراقب” الوضع، مركّزةً على “أنّها تواصل الدّعوة إلى احترام مبادئ القانون الدّولي، وضمان حماية اللاجئين في لبنان من الإعادة القسريّة”.
وأكّد مصدر أمني عدد الموقوفين بتهمة المخالفات القانونية والمرحلين، بلغ، منذ بداية أبريل نحو 240 نازحاً من قبل مديرية المخابرات في الجيش، و 200 نازح من قبل جهاز الأمن العام، حيث أن الموقوفين الذين يرحلهم الجيش لا يتم تسجيلهم لدى جهاز الأمن العام.
في حين امتلأت نظارات قوى الأمن الداخلي في المنطقة بنحو 331 نازحاً تم توقيفهم بسبب محالفات قانونية خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وحسم وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هيكتور حجار الجدل عبر تغريدة على حسابه عبر “تويتر”، قائلاً: “مع تفاقم حدّة التوتر بين اللّبنانيين والنازحين السوريين وارتفاع عدد السرقات والأعمال المخلّة بالأمن، من واجب الأجهزة الأمنية العمل ليلاً نهاراً على حماية الأمن القومي للبلاد وتطبيق القوانين على كافة الأراضي اللبنانية طيلة أيام السنة”.
وأضاف، “فهذا أمر بديهي ولا يجب أن يتطلب قراراً سياسياً أو إذناً من أحد. كما أن المجلس الأعلى للدفاع أصدر بتاريخ 24/4/2019 مجموعة من القرارات، منها ترحيل أي شخص يدخل إلى لبنان بطريقة غير شرعية دون المرور بالمعابر الحدودية الرسمية”.