“معتز قطينة” يتجرأ على “تفسير السنين”

أحمد محمد السّح – سوريا

لا شك أنها جرأة كبيرة أن يحاول شاعر إعادة تعريف كل شيء، ويدرج تعريفاته في كتاب يحمل عنواناً أكثر جرأة، يحمّله مسؤولية تفسير السنين كل السنين لا بعضاً منها. وهذا ما جادت به قريحة الشاعر الفلسطيني “معتز قطينة” في كتابه “تفسير السنين”، كتابه الشعري الرابع بعد مسيرة أدبية افتتحها بمجموعة شعرية بعنوان “خلفي الريح مجدولة” عام 2001، وأضاف إليها كتاباً سردياً بعنوان “الجنسية” حمل روح الرواية في طياته.

ولأنه لا يمكن لكتاب أنيق، ممهور بغلافٍ أنيق من تصميم “عبد الفتاح بوشندوقة” وقصائد مقتطعة من تفاصيل التجربة أن يُتركَ فيه للسيمياءِ مثارٌ للجدل، أعتقد، وأكاد أجزم باعتقادي بأن الشاعر معتز قطينة في ديوانه الشعري “تفسير السنين” كان يختم قصائدة بإشارة اللانهاية عمداً ∞، وكأنه يعلن في كل نص أن هذا التفسير لم ينتهِ هنا إنما هو ذاهب إلى اللانهاية، وهي سيميائية لم أرها شخصياً في كتابٍ شعري من قبل، وهو دليل ملموس وموثق على النص المفتوح على التأويل الشعري والعاطفي، بعد أن قرر الشاعر أن يتجرأ بأن يضع مهمة “تفسير السنين” على عاتقه، ويضع هذا التفسير كله في كتابٍ بحوالي مئة وخمسين صفحة، ونشرته دار “رشم” في المملكة العربية السعودية، في طبعة أولى لعام 2022.

أن نقول إنه كتاب أنيق بغلاف أنيق، ربما تكون مجاملة لفظية لا أكثر ولكن الحقيقة تكمن في التنظيم الذي اشتغل عليه الشاعر، حيث قسم قصائده إلى خماسيات معنونة بالعناوين التالية: “تفسير”، “السنين”، “ما هكذا ولدت الأرض”، “يابسة – صوت نهّام”، و”كنا على البحر” تتالى في أربعة عشر خماسية في الكتاب يعمل فيها على تفسير رؤيته الشعرية للحياة والزمن والحب، والمرأة التي يخاطبها غائبة، في معظم جمله الشعرية، متكأ على الانفتاح المفرط في ذاتيه كإنسان أولاً وكشاعر له بصيرته في الحياة ثانياً، هذه البصيرة والذاتية تفرضان نفسيهما على النص في تقطيع الجمل الشعرية، وكأنه يعتمد تقنيات التفعيلة دون أن يستخدمها، إنما يستخدم نبضته الموسيقية، فلا تجد تقطيعاً شعرياً للجملة مقحماً كما قد تجده في معظم دواوين قصيدة النثر التي تتراكم هنا وهناك.

وكعهد القصيدة الحديثة التي تفتح الأسئلة وتترك الإجابات لقلب القارئ يدخل الشاعر قطينة في زواريب النفس البشرية ويطرح عليها الأسئلة دون أن ينتظر إجابات، فأسئلته هي التفسير فكيف لا وهو ينبش في سرانية وقدسية العلاقة مع الأم محملاً إياها عبء الخوف الذي قد نعيشه طوال سنين العمر:

“كانت أمي تصنع الكوابيس لي.

تخبئها في غرفتها، في حقيبة بيضاء. تشغلها بالدموع والنحيب المكتوم، ونظرة لم أكن أفهمها.

كانت متقنة أمي لفعلها ذاك،

ترتب – كما ينبغي لأم-  كابوساً جديداً كل يوم”.

قد يعجبك ايضا