ابراهيم فرغلي: شغفي كله في تجريب بناءات سردية جديدة

1 مايو 2023

حاوره – هاني نديم

ابراهيم فرغلي، صحافي وروائي مصري معروف، حاضرٌ في المشهد الثقافي العربي ومتفاعل بشكل كبير مع قرائه ووسائل التواصل الاجتماعية، نال العديد من الجوائز الأدبية ورشح للعديد منها أيضاً. اشتهرت رواياته بنفسها المصري المعاصر وأسلوبه السردي الخاص. من أشهر رواياته: “أبناء الجبلاوي”، “ابتسامات القديسين”، “مصاصو الحبر”، وروايته التي فازت أخيراً بجائزة نجيب محفوظ “قارئة القطار”.

نص خبر التقته في هذه الدردشة حول الرواية العربية والمصرية وهموم الأدب عموماً. سألناه:

  • ما الذي تغير في بنية الرواية العربية اليوم، هل هذا السؤال صحيح أصلا؟ لماذا لم يعد الاهتمام بها كبيرا؟

– أعتقد في صحة السؤال لأن الرواية العربية اليوم أصبحت غطاءً كبيرا لما يستحق الفرز أساساً، إذا ما كان رواية بالمعنى الحقيقي للرواية، بوصفها مستودع فني لبحث التغيرات التي يمر بها الكائن البشري وفقا للظروف الاجتماعية والسياسية وأثرها على أسئلته الوجودية، وبالقدر اللازم والضروري من حقنها بالفلسفة والأفكار، وتجردها التام من الانحياز الأخلاقي أو العاطفي مع عوالمها وشخصياتها، مع تحقيق ذلك فنيا وبلغة ينبغي أن تتحلى بحدّ أدنى من الشعرية، أي بامتلاك أدوات لغوية خاصة لا يتحقق شرط الرواية بدونها من الأساس.

لدينا اليوم حكايات مسترسلة عن الحرب مثلا، وحكايات عن عوالم الهامش، أو بعض الحكايات الاجتماعية اللطيفة، أو حتى روايات تاريخية تعتمد على الحكاية، التي يفترض أن الرواية الحديثة تجاوزتها منذ عقود، وفي عالم الحكايات هذه، لا أعتقد أن الكثير من كتابها يمتلك الوعي اللازم بأن مدونة الحكايات اللانهائية المتمثلة في النص العابر للزمن ألف ليلة وليلة، لم تكن مجرد حكايات، بل وصفة العقل والحكمة التي عملت شهرزاد على مدى ألف ليلة في إعدادها للملك شهريار لكي تعالجه من أمراضه وعقدته النفسية التي حولته لقاتل متسلسل. ولهذا لا يمكن أبدأ أن يفصل القارئ بين الحكاية الإطارية التي تبدو مجرد افتعالا تمهيديا لسرد حكايات، وبين نصوص المتن التي تتوالى وتتوسل الغريب والعجائبي والواقعي والأسطوري بينما تحقن بين حبكاتها ما يؤدي إلى إبلاغ الرسالة لشهريار، وربما التأويل العظيم الذي قدمه نجيب محفوظ لهذا النص من أهم ما تناول تأويل النص في شكل رواية مستلهمة من ألف ليلة.

نجيب محفوظ الذي كان بعض كتاب جيلي يعدون حتى قراءته عملاً رجعياً، لا يزال يبهرني في الطريقة التي كان يبني بها أعماله، وفي استخدامه الإبداعي المبهر للغة.

ومع فقدان الوعي بهذا كله لدى أجيال جديدة لا تهتم فيما يبدو لي حتى بأن الرواية مثل أي فن لها تاريخ ومسيرة، وتخضع التجارب فيها للتطوير، تصوروا أن استخدام اللهجات العامية وتبسيط اللغة إلى أقل حد ممكن هو قمة الحداثة، وبهذا انتشرت حالة المسخ الروائي التي نعاينها اليوم جميعا.

نجيب محفوظ الذي كان بعض كتاب جيلي يعدون حتى قراءته عملاً رجعياً، لا يزال يبهرني في الطريقة التي كان يبني بها أعماله

 

  • بصراحة، ما هو تأثير الجوائز على الرواية وما الحل لروائي ورواية مستحقة لا تملك العلاقات العامة؟

-بصراحة الجوائز في حد ذاتها كان من المفترض أن تكون داعما للمشروعات الروائية الطموحة، ولكننا رأينا الكثير من الروايات العادية والمتوسطة التي تفوز بالجوائز مع الأسف، والذي أفقد بعض الجوائز مصداقيتها. والمؤسف أكثر أن جمهور القراء أصبح يعتمد على الجوائز أكثر من غيرها من المعايير للإقبال على قراءة الرواية، ثم تقوم الجهات المعنية بالفعاليات الثقافية وتكرس لأسماء كتاب من دائرة الحاصلين على جوائز، وهكذا. ثم تأتي دور النشر فتكرّس إما للروايات الفائزة بجوائز أو ما يندرج تحت إطار “الأكثر مبيعا”، وهذه دائرة جهنمية تقتل الأدب الحقيقي تدريجيا وتكرس فقط لما يعرف اليوم بالأدب النظيف وسيطرة أفراد ممن يمتهنون الكتابة مدعومين من جمهور متدين ورعاة يروجون لهذه المشاريع. وفي مناخ كهذا هل يمكن أن تنجح رواية حقيقية بدون علاقات عامة؟

 

من المؤسف أن جمهور القرّاء أصبح يعتمد على الجوائز أكثر من غيرها من المعايير للإقبال على قراءة الرواية، ثم تأتي دور النشر فتكرّس إما للروايات الفائزة بجوائز أو ما يندرج تحت إطار “الأكثر مبيعاً”، وهذه دائرة جهنمية تقتل الأدب الحقيقي

  • ما هو مشروع ابراهيم فرغلي؟ إلام يطمح وماذا يريد؟

أعتقد أنني أقوم بالتدريب المستمر لكتابة الرواية التي أتطلع إلى كتابتها والتي قد لا أتمكن من كتابتها. رواية لا يمكنني تحديد منهجها أو شكلها، لكني أتعامل مع كل خبرة روائية جديدة أولا بمنطق أنني أكتب رواية لأول مرة في حياتي، وأستعيد كل الرهاب الذي كان يلاحقني وأنا أكتب أولى رواياتي، ولأجل التخلص من هذا الرهاب أحاول المضي قدماً بالبحث عن طريقة بناء جديدة، عن لغة أكثر إحكاماً، عن معجم لغوي مناسب للنص. من المؤكد أن شغفي في هذا كله في تجريب أشكال بناء سردية جديدة في كل مرة، للوصول إلى تلك الرواية الحلم التي قد أنجح في كتابتها وقد أخفق ولكني سأظل مديناً لشرف المحاولة.

قد يعجبك ايضا