بيروت الموجعة.. من يوميات سوري في بيروت

 

 

 

 

 

 

 

 

وائل القادري – كاتب سوري

 

خرجتُ من بيروت بعدَ تسعة أشهر حملتُ فيها نفسي وهناً على وهن، حاولتُ فيها أن أتجاوز كل المتاعب الخارجية والداخلية مع رفع العتب كوني خرجتُ من بلادٍ تحترفُ إجهاض أبنائها. في البداية حاولتُ تجاوزَ قُرويّتي أمام بحرها الأرستقراطي الذي اشهرَ شاطئهُ اللازوردي أمامَ دهشتي أنا ابنُ البئر وأخو النبع.
حاولتُ أن أُخفي ارتباكَ خُطاي في شوارعها العريضة أمامَ ازدحامها بالسيارات الفخمة والبنايات الفارهة، أنا الذي لا مشوار لي قبل بيروت سوى صعود تلّة القرية أو طريق الإياب صباحاً من البيادر بعد الحصاد الليلي. لم يكن الأمرُ سهلاً خصوصاً بعد أن صدمتني سيارة بعجلاتها العالية وأنا أقطعُ شارعاً في طرفه المقابل إعلان عن وظيفة شاغرة لمن يرغب العمل. تجاوزتُ كلّ شيء.. المشفى.. صاحب السيارة وحتى الطريق الذي دُهستُ فيه وحظيتُ بالوظيفة !
 وهنا بدأتُ أعرف هذه المدينة عن كثب.
لم تكن بيروت المنفى الأجمل الذي حدّثنا عنه الشعراء والفنانون وهم ينقلون الفردوس من السماء لتحلّ عليها من البحر إلى الجبل.. لم تكن بالنسبة لعاملٍ مثلي سوى مدينة تُعاقبك على مدار ستّة أيام بالوقوف ووجهك إلى الجدار ثم تمنحك في يوم الأحد زيارة سريعة لبحرها وروشتها مع كوب قهوة سريعة وبصّارة تقرأُ لك طالعك بلهجة البلاد.
بيروت كانت بالنسبة لي مرآة مكسّرة كلّما نظرتُ إلى نفسي فيها تشظّت البلاد آلافاً من النسخ: الأطفال يبيعون الورد والمناديل ويتوسلون للمارة بلهجة البلاد.. الوجوه المكويّة عائدةً من الشمس منثورةً على كل دوّار ومفرق طريق تشتمُ السماء بلهجة البلاد.. ملامحُ نساء البلاد تغصُّ بها الأسواق الشعبية وهي تساوم على أسعار الخضار والسمك.. زملائي من العمّال وهم يُسلّون التعب بأغاني البلاد.
وجدتُ نفسي متورّطاً في بؤس البلاد ولكن بشكلٍ أكثرَ وحشة .
خرجتُ من لبنان بعدَ أن تمادت الغربة في نفسي وتمادت معها البلاد. خرجتُ بعطبٍ في جسدي وآخر في روحي.
قد يعجبك ايضا