5 مايو 2023
سامح محجوب – القاهرة
كلّما وجَّهتُ عيني
نحو لمَّاح المحيَّا
لم أجد في الأفقِ
نجمًا واحدًا
يرنو إليَّ
لابد أن تصدق محمود أبوالوفا عندما يقول ذلك إذا عرفت أن هذا الشاعر بلغ من النحس والبؤس والأسى ما لم يبلغه شاعر قبله ولا بعده، حيث عرف اليتم في سن مبكرة جدًا ثم ما لبث أن عرف العجز بفقد إحدى ساقيه في جراحة فاشلة، ثم كان أن ابتسم له الحظ قليلًا واستطاع أن يمتلك نصف مقهى مع قهوجي بلدي وأن يقيم له ندوة أدبية كل أسبوع،
وكان أن قرأ في إحدى الصحف عن مسابقة لاختيار أفضل قصيدة يلقيها صاحبها في حفل تنصيب شوقي أميرًا للشعراء عام 1927 بدار الأوبرا الخديوية، وحدث أن فازت قصيدة أبو الوفا.. وذهب ليلقي قصيدته مرتديا جلبابه متأبطًا عكازته، لكن شوقي بعد أن رآه رفض تمامًا أن يصعد هذا الرجل بهيئته الرثة خشبة مسرح دار الأوبرا الملكية في حفل تنصيبه إلى أن تدخل عبدالوهاب لدى شوقي ليوافق بصعوبة أن يلقى أبوالوفا قصيدته التى انتزع بها صك مروره كشاعر كبير بتصفيق حاد من كبار شعراء العالم العربي آنذاك.
بعد هذا، صار قريبا من شوقي حتى أنه عهد إليه بالإشراف على طباعة الجزء الثالث من أعماله الكاملة التي صدرت بعد رحيل شوقي، وفي عهد ناصر أرسلت الدولة أبوالوفا لباريس ليركّب ساقًا صناعية ليعود بعدها من باريس أفنديا ببدلة لم يتحملّها كثيرا عائدًا لجلبابه وعكازته بعد أن انتزع الساق الصناعية أيضا..
ثم يقرر السادات تكريمه ومنحه شقة بها تليفون هذا إلى جانب جائزة من أكاديمية الفنون بقيمة ألف جنيه، ليمكث في الشقة أيامًا قليلة بعد استلامها من الدولة، فيفقد بعده بصره ورصيده أيضًا من الحياه ويرحل قبل أن يحصل على مبلغ الجائزة ويظل خالدًا بهذه القصيدة التي تفوق فيها عبدالوهاب على نفسه لحنًا وأداءً: عندما يأتي المساء..