د.غسان عبدالخالق: صار لدينا سوق ثقافية واسعة.. ما أكثر الأشياء التي لا أحتاجها!

11 مايو 2023
حاوره: هاني نديم

 

في حالة لا نراها كثيراً، يجمع الدكتور الأردني غسان عبدالخالق بين الفلسفة والنقد الأدبي أكاديمياً،  وهذا مزيجٌ صنع الكثير من التقنيات النقدية اللافتة فيما يكتب. د. عبدالخالق الذي أثرى المكتبة العربية بأكثر من ثلاثين كتاباً ومئات البحوث والمقالات؛ يعمل الآن أستاذًا للأدب والنقد في جامعة فيلادلفيا، وسبق لعبد الخالق أن شغل منصب أمين الشؤون الخارجية في رابطة الكتاب الأردنيين ورئيس جمعية النقاد الأردنيين لدورتين متتاليتين والمستشار الثقافي غير المتفرّغ لمؤسسة عبد الحميد شومان. وهو يرأس الآن هيئة تحرير (مجلة أفكار) الصادرة من وزارة الثقافة الأردنية. 

توجهنا إلى غسان عبدالخالق في هذا الحوار الجريء والكاشف:

  • بدايةً، كيف ترون المشهد الأدبي الأردني والعربي الكبير؟ ماذا اختلف عن الستينيات على سبيل المثال؟
-المشهد الثقافي العربي اليوم _ والمشهدالأردني جزء منه _ بلا ملامح واضحة أو فارقة؛ كمٌّ كثير ونوع قليل، جهود فردية باهتة في الأغلب الأعم وجهود فردية لافتة أحيانا. طارت المظلّة الجامعة وتوارت الأهداف والغايات العليا . صحيح أن الإيديولوجيا كانت تُغرق المشهد الثقافي العربي في الستينيات، لكنه كان مؤثّثا باليقين والجدوى والتفاؤل. ويؤسفني القول بأن المشهد الثقافي العربي الآن ، يكاد يكون تجسيدا نجيباً لمواصفات ما بعد الحداثة؛ فوضى عارمة، وعبث كثير ، وغياب فادح للغايات الكبيرة . وقد يستدرك عليّ مستدرك فيقول: ألم يتكاثر الناشرون والمؤلّفون والمؤلَّفات والهيئات والمعارض والمانحون للجوائز ؟ وليس أسهل من تقويض هذه المصادرة بالقول: بلى، صار لدينا سوق ثقافية واسعة، يصدق عليها ما كان يردّده سقراط كلما دخل السوق: ما أكثر الأشياء التي لا أحتاجها!
النقد العربي أمام معضلتين؛ معضلة انعدام القدرة على استنطاق المدوّنة الثقافية العربية القديمة والحديثة من منظور نقدي أصيل ومعاصر، ومعضلة الشعور الحاد بالنقص أمام مركزية الخطاب النقدي الغربي
  • لدينا مشكلة بالنقد إن صح السؤال. مشكلة مصطلحات وإخوانيات وجمود أكاديمي كما أرى، ما هي برأيكم أهم مشاكله إن وجدت، ومن هم نقادنا البارحة واليوم حسب وجهة نظرك؟

– مقتل الخطاب النقدي العربي المعاصر؛ يتمثل في التفتيش عن الغريب والمتواري في الخطاب النقدي الغربي، ثم العمل على إعادة إنتاجه باللغة العربيّة، بقصد إثارة الانتباه والظهور بمظهر الريادة و التجديد ! وحيث إن كثيراً مما تراكم لدينا في العقدين الأخيرين قد صار قديما جدا في الخطاب الغربي؛ فإن معضلتنا غدت معضلتين: معضلة انعدام القدرة على استنطاق المدوّنة الثقافية العربية القديمة والحديثة من منظور نقدي أصيل ومعاصر، ومعضلة الشعور الحاد بالنقص أمام مركزية الخطاب النقدي الغربي. وباختصار فنحن لا أرضاً قطعنا ولا ظهراً أبقينا. ومع أنني ممن لا يراهنون على جدوى المشاريع النقدية الفردية، بعيدا عن السياق الموضوعي المناسب أو الحالات الثقافية الجمعية، فإنني سأغامر بالقول: إن مثقفين مثل طه حسين والعقاد وأحمد أمين وحسين مروة والطيب تيزيني وعبدالله العروي، أحدثوا بقوة حضورهم وأدائهم الشخصي  فروقا مفهومية وثقافية يصعب التنكّر لها، مقارنة بأقرانهم المعاصرين من المثقفين العرب؛ فقد نجح الأوّلون في جمهرة الثقافة وتصييرها همّا عاما على الأقل، على حين أن المعاصرين أسهموا بقصد ودون قصد، في إعادة الثقافة (الأدب والفن والنقد بوجه خاص) إلى قمقم النخبوية، على الرغم من توافر الإمكانات المادية والبشرية والتّقنية.

وأما بخصوص الاتساع المؤسف في رقعة النقّاد المرتزقة فحدّث ولا حَرَج ، لأن هذه الرقعة لم تعد مقتصرة على النقاد الواعدين أو المغامرين أو المتكسّبين، بل غدت أيضا ملعبا أثيرا لبعض (النقاد الكبار ) الذين لم يعد يهمهم شيء، سوى السفر والفنادق والدولارات والمقابلات المصوّرة، حتى لو تطلّب ذلك مثلا، إعادة كتابة ما كتبوه منذ سنين وتقديمه على أنه جديد، وحتى لو تطلّب ذلك أيضا، التفريط بما راكموه من مصداقية كبيرة جرّاء التطوّع لتلميع كتّاب وكاتبات غير موهوبين على الإطلاق . وباختصار شديد ؛ فإن أخلاقيات الممارسة النقدية في الوطن العربي قد تآكلت ، إلى الحد الذي قد يُعدّ الحديث معه عن ( أزمة المصطلح ) ضربا من ضروب الترف النقدي !
بعض النقاد الكبار لم يعد يهمهم شيء سوى السفر والفنادق والدولارات والمقابلات المصوّرة، حتى لو تطلّب ذلك إعادة كتابة ما كتبوه منذ سنين وتقديمه على أنه جديد
  • ما هو مشروعكم بعناوينه العريضة؟ إلام يسعى ولماذا يكتب غسان عبدالخالق؟
– إذا جاز لي الزعم بأن لدي (مشروعا) ثقافيا؛ فإنني سأغامر بتلخيصه في ثلاثة محاور وهي :
* السرد القصصي والرّوائي الذي أعتقد بأنه يجب أن ينبثق من رحم الموروث الحكائي العربي (الرسمي الفصيح والشعبي العامي) حتى يكتسب ميزته النوعية الحضارية، أُسوة بما فعله كتاب امريكا اللاتينية تحت مظلّة (الواقعية السحرية) . وبوجه عام ؛ فأنا لا أثق بالسرد الشكلاني/ التجريبي مهما كان متفوّقا، إذا لم يكن مفخّخا بالتاريخ والسياسة والفلسفة.
* النقد الثقافي الذي أعتقد بأنه المنهج الأكثر قدرة على تشخيص الأنساق المعلنة والمضمرة للواقع العربي المعقد والمتداخل والملتبس. وبوجه خاص؛ فإنني أعتقد بأن العمل على تحليل خطاب الجمهور بكلّ تجليّاته من جهة وتحليل خطاب السّلطة بكل تجليّاته من جهة ثانية، هما الأولويتان النقديتان اللتان يجب التفرّغ لهما.
* الفلسفة العقلانية النقدية الواقعية العملية اليومية، هي الفلسفة التي يجب العمل على تأهيلها وبعثها وترسيخها في الخطاب الفكري العربي الراهن، بدلا من الفلسفة النظرية المثاليّة غير المعنية بأولوية الهم الإنساني الوجودي.
قد يعجبك ايضا