من قصص الأغاني.. إيزو التي لا مثيل لها

8 يونيو 2023

ابتهال أحمد – كاتبة وباحثة سورية

قبل قرن وأكثر من الزمن، في مدينة غازي عينتاب التركية ولدت فتاة سُميت زُهري ولسبب يجهله الجميع نوديت زُهري بـ”إيزو” طوال الوقت. عندما بلغت إيزو الثامنة عشر من عمرها ذاع صيت جمالها بين الناس، وكانوا يتعاملون معه كأنه أسطورة وحكاية يتناقلونها بينهم. بل إنهم قصدوها من القرى المدن المجاورو وكانوا يقطعون مسافات كبيرة ليتأكدوا مما وصلهم عن جمال هذه الفتاة، ولم يحدث أن ندم أحدهم على قطعه لتلك المسافات.

كانت إيزو أجمل مما قيل، كانت آية جمال مكتملة تمشي على الأرض وتثبت للقاصي والداني قدرات الله وحسن صنيعه. وبطبيعة الحال كان لفتاةٍ تحمل كل هذا الجمال الكثير من الشباب الراغبين بالزواج منها، وقد قيل أن طوابير من الشباب كانت تصطف على بابها طالبة إياها للزواج ، لكن لم يستطع أيٌ منهم أسر قلبها، لذا كانت ترفضهم تباعاً. إلى أن شاء القدر فقد كان هناك شاب يعزف على الساز ويغني الأغاني الشعبية، وكان له صوت عذب يسرق سمع كل من له روح، حتى البلابل كانت تكف عن التغريد إن سمعت غناءه.

كان صيت هذا الشاب قد انتشر بين الناس كجمال إيزو ، ولعب القدر لعبته معهما والتقيا الشاب – شيتو- وإيزو في أحد أعراس القرية ، وكما الحرائق الكبيرة تبدأ بشرارة ، بدأ الحب الكبير بنظرة .. ما إن التقت نظرات الشابان حتى اشتعلت نار بداخلهما ، وأدرك شيتو منذ اللحظة الأولى أن لا جدوى للانتظار أبداً ، وأرسل والدته في طلب إيزو . وافقت إيزو ، ووافق والديها ولكن كان لديهما شرط ، أن يأخذا بالمقابل من عائلة شيتو عروسا لابنهم.

كان سائدا في ذلك الوقت زواج المبادلة ، وقد كان تزوج أخ إيزو الكبير بابنة عمة شيتو ، وتزوج شيتو وإيزو وأقاموا لهم حفل زفاف مشترك . في البداية كان كل شيء جميلاً لأبعد حد ، كان إيزو وشيتو يتذوقان طعم الحياة وتفاصيلها مع حالة العشق التي تغمرهما، كانا ينظران للحياة وتفاصيلها بمنظور مختلف وخلال هذا الوقت كان الزواج الآخر يشوبه الكثير من المشاكل والقصص الأخرى ومع ختام السنة الأولى قام أخ إيزو بالانفصال عن ابنة عمة شيتو، وحصل الطلاق.

لم يكن حفل الزفاف وحده المشترك في زواج البدائل، بل القدر أيضاً إذا أنه وكما جرت العادة والعرف ما يحدث في الزواج الأول لا بد أن ينطبق على الزواج الآخر . ولم يشفع حب إيزو وشيتو وعشقهما الذي انصرها فيه لدى عائلتيهما ليتراجعوا عن قرارهم، ولم يستطيعا بدورهما أيضاً أن يكسرا هذا العرف ويتمردا عليه.. لذا تم الطلاق بين شيتو وإيزو ونار الحب التي اشتعلت بنظرة هاهي تحرقهما عند الانفصال.

لقد كان الطلاق بداية طريق العذاب، فقد أراد أهل إيزو تزويجها على وجه السرعة إذ أنه من غير المقبول أن تبقى فتاة في الواحد والعشرين من عمرها مطلقة ووحيدة دون زوج . حاولوا على مر ست سنوات تقديمها للخاطبين وإقناعها بالزواج إلا أن إيزو كانت ترد بكلمة واحدة: شيتو .. وبعد مرور ست سنوات وأكثر على هذه الحال، قرر أهلها أن ما دامت ترفض الزواج برضاها ، فإنهم سيزوجونها رغما عنها وهذا ما كان،

قاموا بتزويجها لابن خالتها- وكان راغباً بالزواج منها قبل أن تتزوج بشيتو – ابن خالتها كان يقيم في مدينة جرابلس السورية ، وإيزو التي بلغت الثامنة والعشرين من عمرها حين ذاك كان جمالها وحسنها كاملا دون نقصان ، يخال لمن ينظر في وجهها أنه ينظر لورود متفتحة على وجنتيها ، ويرى أنهر من العسل في عينيها، يقال أن الحسناوات عيونهن عسلية، وأحسن الحسناوات إيزو ..

انتقلت الحسناء مع زوجها إلى جرابلس فور زفافهما، وهناك اختبرت حسرة ولوعة جديدة، لقد كانت تشتاق لموطنها بشكل غريب، اجتمع في قلب الفتاة لوعة الحبيب ولوعة الوطن.

كانت من لوعتها تخرج كلما سنحت لها الفرصة إلى أعالي التلال المطلة على بلدها، تقف هناك طويلا معلقة نظرها هناك باتجاه وطنها أم باتجاه شيتو لا أحد يعرف ذلك . وقد أمضت على هذا المنوال عشرين عاما، وفي نهاية العام العشرين كانت قد بلغت ال ثمانية والأربعين من عمرها وعندها استسلمت إيزو لهذا العذاب وللنار المشتعلة منذ وقت طويل في صدرها، ونادت على ابنتها جليلة مخبرة إياها وصيتها لتُسلم بعدها روحها المنهكة.. كانت وصية إيزو أن تدفن في قريتها في غازي عينتاب، وإن لم يستطيعوا لذلك سبيلا أن يدفنوها على أعلى تلة تطل على بلدها ..

وقد كان أن دفنت في سورية ، ومن ثم قامت الحكومة التركية بنقل رفاتها عام ألف وتسعمئة وتسعة وتسعين تنفيذاً لوصيتها . أما عن هذه ال türkü فهي ما كتبه وغناه شيتو بعدما أرسلو حبيبته عروسا إلى جرابلس.

قد يعجبك ايضا