13 يونيو 2023
نص خبر- دمشق
من يحب كرة القدم يحب كريم بنزيما. بجملة واحدة اختصر النجم الفرنسي زين الدين زيدان سجّل واحد من أكثر اللاعبين حظوة وسطوة في أوربا، على مدار سنين طويلة. لكن وراء هذا النجاح الحافل، قطباً مخفية تواري عثرات ومطبّات وخيبات، ويمكن لو توّغلنا أكثر لاكتشفنا سُحق البدايات وهول الأقدار في مسيرة مترفة بالغنى والمنجز الثري على مستوى الرياضة الأكثر شعبية في العالم!
في التاسع عشر من نوفمبر عام 1987 ولد كريم بنزيما في حي تيرايليون الاسم الذي ستحيلك محركات البحث في حال وضعته عليها، إلى أخطر عصابات ومافيات المخدرات والممنوعات! الحي الذي اكتسب سمعته السيئة كان يوّفر مساكن رخيصة للمهاجرين و أحدهم الجزائري حفيظ بنزيما والد كريم مع ثمانية أخوة آخرين. كأن القدر كان يقول لهم بأنهم سيسلكون دروباً وعرة لن تنجي أحد فيهم. الأم نشأت في ليون حيث تعود أصولها إلى وهران الجزائرية. كبر كريم وسط رقابة صارمة من والديه ولم يجد سوى كره القدم منفساً له. كان خجولاً ويفتقد للثقة اللازمة كي يعيش وسط تلك الأجواء مع كرة القدم. وبعد حصده إعجاب الجميع بمهاراته بلعبة العصر انضم إلى النادي المحلي الخاص بالحي. لكن بعد سنة واحدة فقط أصبح لاعب في أكاديمية ليو. مع ذلك كان يمكن ألا يتم اكتشافه أبداً بسبب خجله وانطوائيته وعدم اكتراثه بتسليط الضوء على نفسه! ازدهر بنزيما عاماً تلو الآخر وكان يظهر في مباريات الفريق الأول كصبي حامل للكرات, لاحقاً أدرك ليو أنه يمتلك جوهرة نفيسة يجب أن يحوّطها ويسيّجها برموش العيون، لكن كيف ذلك وتلك الجوهرة تقيم أصلاً في مرتع الإجرام في الحي سيء الصيت. هكذا، قرر النادي عندما وصل كريم الى سنه 15 الاتفاق مع والديه بأن يكون هو اللاعب الوحيد الذي يبيت في المنزل الداخلي المعد للاعبي الأكاديمية في عامه 18 ترقى كريم إلى لفريق الأول ليتلعثم عندما طلب منه إلقاء كلمة ويتعرّض للسخرية التي رد عليها بغضب: «كنت قبل قليل جامع كرات واليوم أنافسكم! انتظروا قليلاً وسأجلسكم خارج المعلب»
وسريعاً تصدر بنزيما قائمة هدافي الدوري وساعد ناديه ليو لتحقيق أول ثنائية للفريق على الإطلاق. ليتلقى أول استدعاء لمنتخب فرنسا واصل بعدها التألق في الموسم التالي فظهر برشلونة محاولاً خطب ودّه. وبعد أن تم الاتفاق على كل شيء تراجع الكتلان في النهاية والسبب أن كريم انطوائي للغاية! كما يمتلك صحبة تبدو غير مشجعة خارج الملعب أحد أهم افراد تلك الصحبة هو كريم زناتي صديق بنزيما المقرّب وتلك قصة أخرى فقد نشأ زناتي مع كريم في الحي ذاته لكنه انخرط في عالم السرقة والعصابات ومع ذلك لم يتخلّ عنه بنزيما بل تكفل بوظيفة له لاحقاً عقب قضائه لفترة عقوبة بالسجن بتهمة السرقة المسلحة. على كل حال تلاشي اهتمام البرشا وظهر رجل لا يمكن أن تقول له لا! إنه فلورنتينو بيريز.. زار كريم في منزله وتلك الحادثة ظلّ بنزيما لآخر يوم في ريال مدريد يرويها: «لم أتعرف عليه فوراً بأنه بيريز لكن حين دققت النظر فيه قلت اللعنة هذا هو الرجل الذي أحضر زيزو و رونالدو. هنا انتابتني الصدمة»
بدأت القصة قصة بنزيما مع أبيض مدريد وأنتقل إلى سانتياغو برنابيو في 2009 ليجاور المدرب تلو الآخر ، لعب مع الدون كريستيانو رونالدو وكان له خير المعين والسند فاتح المساحات وصاحب التمريرات. لم يبحث عن مجد شخصي، بل كان الهم عنده مساعدة الفريق على تحقيق الكؤوس والأمجاد : «كان يجب أن أمنح رونالدو كل الكرّات لأنه كان يسجل ضعف عدد أهدافي إنها الحقيقة التي لا يجب نكرانها»
نشأ زناتي مع كريم في الحي ذاته لكنه انخرط في عالم السرقة والعصابات ومع ذلك لم يتخلّ عنه بنزيما بل تكفل بوظيفةٍ له لاحقاً
تضحيات بنزيما وصراحته المطلقة وعدم التفكير بالمجد الشخصي بقدر التركيز على النادي لم تشفع له عند جحافل المشجعين بسبب إضاعته للكثير من الفرص السهلة فقد نال نصيبه الوافر السخرية والانتقادات اللاذعة، في 2016 مرّ كريم بواحدة من أسوء فتراته مع ريال مدريد، إذ هبط مستواه وتراجعت أرقامه وقتها لم يعان فقط من ظلم التكتيك بل من القضاء الفرنسي، بعد اتهامه بقضية زميله ماثيو فالبوينا وقتها أختلط القضاء بنزاعات يمينية رأت في بنزيما العدو الأول للمجتمع، رغم إن أحد المتورطين بالقضية قام بتبرئة اللاعب. يقول بنزيما : «إنها القسوة ليس هناك ما يمكن إضافته أود أن أقول لأنهم يتهمونني فهم يمرغونني في الوحل وبكل الاتجاهات كما لو كنت مجرماً» ، هكذا كان إحساسه وكان حزنه عظيم بقرار مدرب منتخب بلاده ديدييه ديشامب باستبعاده عن المنتخب الفرنسي، لكن ربما تكون المصائب سبباً لانهيار البعض بينما هي ذريعة كافية لنهوض البعض الآخر وتصميمه و بنزيما واحداً منهم . أصرّ على تطويع الكارثة ولي عنقها لتصير لصالحه بعد اجتهاد مدهش تفنن في تحويل المشاكل إلى نجاحات. عرف كيف يولد من جديد. أعاد تصميم بنيته الجسدية. فقد كثيراً من وزنه. غيرّ نظامه التدريبي ليكون أقوى وأسرع وينتظر الفرصة المناسبة لرد الاعتبار في 2018 رحل رونالدو وكأنها قد أزفت اللحظة المواتية ليقول كريم كلمته. غادر الرجل الذي يسجل خمسين هدفاً أو يزيد في الموسم ، كيف يمكن لمدريد تجاوز ذلك تراجع مستوى الفري ، وكانت بداية ونهاية جيل العاشرة أشياء وأخرى أنذرت بانهيار الميرنغي، هنا ظهرت حكومة مدريد. الحكومة التي رحل كثيرون وظلّت صامدة واسمها كريم بنزيما الذي تغير كلياً بشكله ودوره وصار المنقذ الهدّاف وصاحب الفضل برسم البسمة على شفاه كل مشجّع للكيان الأبيض!
فيما تألق مجدداً مع فريق بلاده في مايو 2021 إذ سجل أربعة أهداف في اليورو رغم خروج فريقه من دور الثمن النهائي،
ثم تفرّغ لموسم حياته مع ريال مدريد في موسم 2021/2022 ب 44 هدفاً حقق مع فريقه بطولة الليغا والسوبر الاسباني ثم كانت فاكهة الموسم وتحليته الآسرة في اللقب الرابع عشر بدوري أبطال أوربا. قلب كريم الطاولة على نجوم العالم في باريس سان جيرمان بثلاثية تاريخية. ونافس كتيبة مانشستر سيتي! هزمت حكمة بنزيما فلسفة غواريدولا وكانت النهاية المذهلة بالفوز على ليفربول في النهائي وتخييب آمال محمد صلاح الطامح للثأر من ريال مدريد. المحصلة النهائية لبنزيما كانت حصوله على جائزة: هداف الليغا وهداف دوري الأبطال ثم أفضل لاعب في أوربا ، ليعتلي بعدها عرش الذهب وينال الكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم. أهم ما حققه بنزيما ما يقوله عنه مشجعيه العرب : الحكومة الوحيدة في العالم القادرة على إسعاد شعبها!
بعد موسم عادي مع الريال قرر إسدال الستار على رحلته هناك ورحل بعرض خيالي إلى نادي اتحاد جدّة السعودي. وباحتفالية مهيبة هناك قال حرفياً: كنت أتمنى العيش في السعودية لأنني مسلم!