14 يونيو 2023
حاوره: هاني نديم
لبغداد أبواب كما لدمشق أبواب، أضاف لها الشاعر العراقي حميد قاسم في شقته باباً أسماه “باب المحبة”، واشتهر كباب مفتوح على الدوام للجميع، ولوحةٍ تشكيلية تجمع توقيعات وخطوط وأشعار أحبته وأصدقائه…
قبل ربع قرن. عرفت حميد من خلال قصيدة ألقاها بين أصدقائه عنوانها “عراق”، لم أنسَ صوته ولا لفظه ولا هذا النص الذي ينضح عراقيةً وشعراً. صرنا أصدقاء منذ تلك القصيدة، وصرت أتتبع خطى هذا الشاعر المختلف لأكتشف بالتوازي كم هو إنسان مختلف. يحب أصدقاءه ويجمعهم يكتب لهم وعنهم دون أن ينسى أنه صحافي من الطراز “الخطير” فاز بجائزة دبي للصحافة كما فاز بموثوقية واحترام “أسطوات” المهنة.
سألته:
- لماذا أنت غاضب هذه الأيام؟ الأحلام؟ النيّات التي سحقت في الطريق؟ حدثني عن حميد قاسم هذه الأيام؟
قبل عشرين عاما وربما أكثر من ذلك، قلت: “أعبر هذه الحياة غاضباً وحزيناً”.. لم تكن هذه جملة اصطدتها من أجل الشعر، لكنها حقيقتي، بقدر ما أنا أحب الحياة ومسراتها فأنا غاضب منها لفرط ما أحببتها، مثلما يكره رجلٌ امرأة حين يشعر أنه أفرط في حبها.. أنا حزين حقاً، في أحلى ساعات عمري ثمة حزنٌ يلتقطه من يعرفني ويراه ماثلا في ابتسامتي وفي عينيّ اللتين ابيضتا من الحزن الذي لا أحبه وأهرب منه. ولكن كيف لي أن أهرب من تاريخ طويل من الأسى الذي كان يجرح صوت أمي وهي تبكي أهلها، الذين تركتهم هناك في قرية منسية من قرى العمارة تدعى “السلام”، كلما وضعت رأسي في حضنها لأنام؟
الحزن صار أكبر وهو يرى البلاد في سبيلها لتكون مجرد ذكرى
الحزن الذي أراه في وجوه الفتيات في أزقة “الشاكرية” في كرادة مريم حيث ولدتُ وعشت طفولة طينية موحلة على حافة دجلة، النهر الذي يمضي غير آبه بما يدور حوله من مآسٍ منذ ألوف السنين.
حميد قاسم هذه الأيام هو ذاته حميد الطفل الذي كانه في الشاكرية، لم يشارك أترابه في صيد الطيور أو إعداد كمائن لتعذيب القطط وتسلق أسيجة البساتين، لأنه كان منشغلاً بمراقبة مويجات الماء في الساقية وهي تمضي بعيداً بأوراق النباتات المتعفنة أو عيدان القش أو ريشة سقطت من جناح عصفور سمين..
لا فرق سوى أن الحزن صار أكبر وهو يرى البلاد في سبيلها إلى تكون مجرد ذكرى غابرة.
أحب الحياة.. وفي محاولة لتقبيلها من فمها مرة واحدة وإلى الأبد