إن أولى محاسن الصحافة هي المواكبة والاطلاع وتبادل الأفكار؛ وفتح النوافذ بعضها على بعض، حيث ترى شموساً غير شمسك ونهارات غير نهارك! وبالنظر إلى أننا نعتبر “نص خبر” ورشة عمل صحافية، ومنصة تشاركية، فإنني أقتسم بعض “البديهيات” التي لا بد من معرفتها مع قرائنا والشباب المتحمسين للنشر لدينا. وهم أكثر مما توقعنا أو حلمنا، وهذا فضلٌ من الله عظيم.
كثيراً ما يضع أحد الكتّاب الشباب سؤاله بين يدي: “ما الذي يفرق بين الكتابة العادية والصحافة المنهجية؟”
ودوماً ما أجيب بمقاربة لعلها تفيد:
“لديك قطعة لحمٍ كبيرة الآن في مطبخك؛ بإمكانك أن تقيم وليمة لأصحابك، ولكن تأكد تماماً من كمال هذا المطبخ، هل لديك زيت وفلفل وملح وفرن وغاز وبقية “العدة”؟ هل تأكدت أن من سيأتي إليك ليس نباتياً؟ أو أن تناول اللحم يخالف عقيدته؟، هل هذا اللحم صالح؟ هل يكفي 10 أشخاص حتى تدعو أصدقاءك الـ8؟”.
حسنٌ.. علاقة الصحفي بمواده تشبه ما قدمنا به، ولكن ليست بتلك الخفة والبساطة والبهجة التي قدمنا بها التوصيف، إنما لا بد من مقاربة الشغف، تقديم ألذ الطعام مع عدم التفكير بتسرّب الغاز وبقية الأخطار المحدقة.
إن “مينو” الصحفي طويل ومتبدّل على الدوام، إلا أن هنالك وجبات ثابتة ومعايير واحدة لا غنى عنها للجميع. وإن اختلفنا على ترتيبها وأولويتها، فلن نختلف على أهميتها أبداً.
تعال لنتحدث ببديهية كلازمات الأغاني: ما الذي يقوم به الصحفي؟
إنه يقوم بنقل الأخبار والأحداث وإعلام الناس ما لا يعلمون، فهو يبحث ويكتب القصص ويصوغ الأحداث بما يتناسب مع النباتيين واللاحمين والمضربين على الطعام!
أيضاً، فالأحداث تملأ العالم، هذا “فلفل” وهذا “عسل”!، فالصحفي عليه أن يغطي الأحداث وقد يكون متخصصاً في السياسة أو الرياضة أو الفنون أو الثقافة أو مهتماً بالاقتصاد أو معنياً بالعلوم. إنه طبّاخ حقيقي يتبدل تموضع مطبخه وأدواته على الدوام، فقد يكون في المحليات أو الدولي أو يعمل كمراسل أو كاتب عمود رأي أو مقال. وقد يشترك ويشتبك بحوار او تحقيق صحافي أو قصة مصورة.
هنالك أكثر من خط إنتاج لصناعة الخبر، فهنالك الخط الكلاسيكي من المراسل المبتدئ في الميدان إلى داخل “المطبخ” حيث يتناول الحدث محرر الأخبار قبل تسليمه إلى المحررين الفرعيين، أو رؤوساء الأقسام المعنية.
وهنالك خط الإنتاج الفوري بحيث يكون الصحفي المطبخ والطباخ والخبز والخبر والجريدة، فيقوم هو برقّ عجينة خبره وشيّها وتقديمها للناس، وهذا أمر يتطلب الكثير من الصحفي اليوم بعد كل هذا الإرباك التقني والتقدم في الزمن والإنتاج والسرعة والتلقف.
وبالإجابة على السؤال الأكثر شيوعاً: ماهي المواد التي تهمكم؟ كيف نرسل لكم خبراً؟
أجيب بما جاء في “جلاسور” رويترز لمراسليها من تكنيكٍ ظريف:
تريد أن ترسل خبراً لنا؟ اتبع هذه الأساليب:
- محطة الحافلات: تخيل أنك تقف عند محطة للحافلات، وتحاول إبلاغ أمرٍ لصديقك في ذات اللحظة التي بدأت فيها حافلته بالتحرك. يتعين عليك عندئذ أن تبلغه أهم العناصر قبل أن يبتعد ولا يستطيع سماع صوتك
- الجدّة: تخيل أنك تخبر جدتك بأمرٍ عبر الهاتف!
- الصديق: أجب على سؤال صديق يقول: “ماذا حدث هناك؟”، حسنٌ “سأقول لك”..
- العنوان: اكتب عنوان الخبر أولاً لأن ذلك يحوّل تركيز العقل على النقاط الجوهرية
- الكلمة المحورية: حدّد كلمةً واحدةً، واكتب الفقرة الأولى على أساسها، على سبيل المثال: “شغب”.