من قصص الأغاني: الرجل الذي كان الحبّ مسقط رأسه

23 يونيو 2023

ابتهال أحمد – كاتبة سورية

حدثٌ واحد يكفي ليغير كل شيء فينا حتى أسمائنا وهذا ما حدث مع معمر بادام.. معمر من مواليد 1957 في قرية غوموش هانة في أماسيا، التقى أثناء دراسته الثانوية بـ”أومو” الفتاة التي أحبها وأحبته . وقد اختارا ظل شجرة كبيرة مكانا سرياً يلتقيان فيه.

كانا يلتقيان يومياً ولو لعشر دقائق يحفظ كل منهما ملامح الآخر ، يعطي عينيه كفايتهما من النظر إلى المحبوب، يتعانقان ويذهب كل منهما إلى بيته، إلا أنه مع اقتراب انتهاء المرحلة الثانوية بدأ الحزن والقلق فقد كان كلاهما يعرف أن الفراق آت قريبا. وهذا ما دفعهما لأن يتبادلا الوعود بأن يدرس معمر في المدينة بجد بينما تنتظره أومو في القرية, وتعاهدا أن يُبقي كل منهما على الآخر في قلبه.. وعندها أعطت أومو معمر منديلاً طرزت عليه أول حرف من اسمها ليكون شيئاً منها معه في المدينة البعيدة هناك، انتهت امتحانات الثانوية، ونجح معمر في امتحان القبول الجامعي وذهب إلى أنقرة.

في السنة الأولى لفراقهما كان الشوق الذي اختبراه يترك الوقت يمضي بسرعة دون أن يفهم أي منهما كيف حدث ذلك وانقضت الأيام، وأتت العطلة الصيفية، ومع عودة معمر إلى القرية أخذت علاقتهما شكلاً جديدا، تعرفت العائلتان على بعضهما وقاموا بإعلان خطبة أومو على معمر.

وفي أيلول مع انتهاء الصيف كان على معمر العودة مجددا إلى أنقرة.. كان معمر رجلا حساساً وعاطفياً، يعزف على الساز ويكتب الشعر ويغنيه، وبدأ صيته ينتشر في الجامعة بعدما اكتشف أصدقاؤه قدراته الفنية هذه, قدراته التي كتبت قدره بشكل ما..

ففي عام 1980حدث انقلاب الثاني عشر من أيلول, الانقلاب الأكثر دموية في تاريخ تركيا كان حينها يكفي تهمة صغيرة ولو ملفقة ليتم إعدام الرجل على إثرها, في حقيقة الأمر لم يكن معمر سياسياً حينها ولم يأخذ طرفاً يمينياً كان أو يسارياً إلا أن سوء حظه كان أن نشرت جمعية يسارية قصيدة له على حائطها.ليُعتقل على إثرها ويُسجن ويحاكم.

حُكم على معمر بالإعدام. وبعد أن وصل الخبر إلى القرية، حُكم على أومو بترك خطيبها المتهم السياسي وتزويجها على وجه السرعة من موظف حكومي بعيداً عن الساسة وقصصها. استمرت محاكمة معمر لنتين حرص والداه على حضور كل جلسات المحكمة.

في بداية الأمر كانوا يبلغونه سلامات من أومو ويطمئنوه عنها، ومرة بعد مرة تجاهلوا الحديث عنها حتى كف معمر عن السؤال. بعد سنتين ثبتت براءة معمر ، وانتهت حياته الجامعية أيضاً، وعاد إلى القرية، ليعلم فور وصوله بأن أومو أصبحت زوجاً لغيره، أشعل هذا الخبر نيرانا في صدره لا سبيل لاطفائها، وضاقت به الأرض بما رحبت، فقرر العودة إلى أنقرة مقسماً ألا يعود إلى القرية بعد ذلك ..

ذهب إلى أنقرة وكل ما يملكه حينها، كلماته،صوته والساز ، وقصة حزينة تروى. بدأ بكتابة الأشعار وغنائها, إن الوجع والحرائق المشتعلة بين دفتي صدره خلقت لديه صوتا شجيا آسرا لدرجة كان معمر إذا شتم قالت الناس: يا إلهي! أي نوع من الأغاني هذه؟, وإذا همس بكلمات غير مفهومة قالوا ما هذه المناجاة.

انتشر اسمه بين الناس شيئا فشيئا إلى أن وصله الخبر الحزين من القرية. لقد توفيت أومو وعليه العودة ليحضر الجنازة بناءً على طلب من والديها.

لقد ترك الخبر معمر موجوعا ,مجروحا كذئب، وضع الملح على جرحه القديم الجديد ومضى معتقدا أن والديها طلبا حضوره للجنازة ليكفرا عن خطأهما بالتفريق بين العاشقين ولئلا يقعان في فخ الندم. كان يقول لنفسه يكفيه أن يرى حبيبته للمرة الأخيرة.

وعند وصوله لللقرية فهم حقيقة طلب والديها, فقد أوصت أومو عندما شعرت باقتراب أجلها أن تدفن تحت الشجرة التي كانت تلتقي معمر عندها، ولأن لا أحد غير معمر يعرف مكان الشجرة كانا مجبران على طلبه الحضور . دفن معمر حبيبته في مكانهما السري، وفهم أخيرا أن أومو عاشت على عهدهما القديم ولم تحب أحداً غيره.

في تلك الأثناء كان معمر قد أصبح معروفاً ومشهوراً ، وتم استدعاؤه ليكون ضيفاً في برنامج إذاعي، وأثناء المقابلة طلب مقدم البرنامج منه غناء أول أغنية كتبها، إلا أن معمر قال لهم أنه سيغني أغنية لم يسمعها أحد قبل ذلك. وكانت الأغنية هذه الـ türkü التي كتبها بعد أن دفن أومّو قبل بضعة أشهر ..

الأغنية الحزينة التي أبكت كل من سمعها وغيرت اسم معمر حينها ل، عاشق أوزلامي .. الرجل العاشق الذي كان الشوق مسقطاً لرأسه.

قد يعجبك ايضا