21 يونيو 2023
حاورها: هاني نديم
تعيش الفنانة اللبنانية ماجدة نصر الدين في الإمارات منذ العام 1993 حيث انتسبت لجمعية الامارات للفنون التشكيلية عام 1995وحققت بخصوصيتها المنكهة بنكهة أرض لبنان وجمال جباله الساحرة الكثير من النجاحات في تلك الرحلة الطويلة. أقامت العديد من المعارض الفردية في لبنان والامارات ومئات المشاركات في الامارات وحول العالم.
وكانت نصر الدين من أوائل الفنانين الذين مُنحوا الإقامة الذهبية ولقب فنان معتمد من قبلهم، كما كرمتها هيئة دبي للثقافة، حيث صرحت: “منحتني الامارات وطنا في زمن عزّت فيه الأوطان”.
ماجدة نصر الدين وهبت حياتها للرسم وتعليم الرسم، وهي مثقفة من الطراز الرفيع ترسم لتجد أجوبة لأسئلتها الكثيرة كما صرحت. سألتها:
- لماذا تعلمين الناس الرسم؟ ما هي رسالتك في هذا؟
– لا أخفي عليك، شغف التعليم رافقني منذ الطفولة، أحبّ أن أرى من حولي سعيداً وأشعر أن سعادتي متضمنة في عطائي وإفادتهم. بالإضافة إلى أنّي أحبّ التحدّيات والتجديد، وفي التعليم يكمن الكثير من البحث والاشتغال على الذّات وهي ليست مهمّة سهلة بالمناسبة خاصة في الرسم.
حين بدأت بإعطاء دروس الرّسم على قناتي على اليوتيوب، أردت أن أساعد الناس كي يتعلموا شيئاً جديداً يساعدهم على تخطّي أحزانهم، غضبهم أو حتى خذلانهم إن صحّ التعبير. شعرت أن لديّ الكثير من المعلومات التي أستطيع مشاركتها وإفادة الناس بها، واليوتيوب منصّة مجانية للمبدع والمتلقي، وأهمّ ما في الأمر أني أردتها باللغة العربية لأن القنوات التي تعلّم الرسم بالعربي قليلة جدا.
أردت أن أشجعهم بأن يحاولوا وإن لم ينجحوا فلا بأس، ماذا سيخسرون غير ورقة وبعض الألوان. تخيّل أن أحد الذين يرسمون معي -وهو أكبر من أبي- قال لي “أشكرك، لأنّي بتُّ الآن أصحو وأنا أفكّر ماذا سأرسم اليوم، أعدتيني لحمل قلم الرصاص الذي لم أحمله مذّ كنت في الابتدائية”. وصديقة أخرى قالت “أصبح لنهاري معنى آخر غير الطّبخ والّنفخ.” والكثير الكثير من الأمثلة مثل: “تعلّمت منك ألّا أستسلم، بتّ أنتظر وقت الرسم بشوق لأني أعلم أنّي أعمل شيئاً لنفسي ولراحتي”. هذا بحدّ ذاته أعطاني الحافز للبحث المستمر وتثقيف نفسي بشكل دائم كي أبقى على اطّلاع على كل جديد؛ ليس أجمل من أن تشعر أنك استطعت تغيير مزاج شخص ما إلى الأفضل، فكيف إن استطعت تغيير شيئا ما في حياته وجعلته أكثر إيجابية؟
على الناس أن تعي ماذا يعني أن نكون مبدعين، الإنسان عدوّ ما يجهل، والناس يخافون من الرّسم لأننا للأسف لم نتعلّم مدى أهميته ونحن أطفالا، كانت حصّة الرّسم بمثابة الفراغ بالنّسبة للكثيرين. قلّة قليلة من المدارس تعطي الاهتمام اللازم لهذا الجانب، لذا نشأنا ونحن لا نعي أهمية الإبداع والبحث في حياتنا. نحن أقرب إلى الموسيقى لأننا نشأنا عليها فبالكاد تجد أحدا لا يعرف من هي السيدة فيروز.
لطالما أردت تقريب الناس للفن التشكيلي لأنهم بعيدين عنه كلّ البعد، لأنهم يخافون منه، أردت تبسيط الأمر وقلت للجميع أنّ بإمكانهم أن يكونوا مبدعين أيضا ومنتجين، باستطاعتهم تعلّم هواية جديدة وملأ فراغهم بما يفيدهم ويفيد محيطهم. كما أردت ترك أثراً طيباً بعد رحيلي.
مختصر القول ومغزاه، في الرسم حياة مختلفة، في الرسم شفاء، فيه ذهاب إلى أماكن تريدها ولا تستطيع وأنت مكبّل بما يثقلك، أريد للناس أن تعي أهمية الإبداع في الحياة عامّة والرّسم خاصّة كونه أنقذني أكثر من مرة من الحزن والغضب والخذلان.
- خلال مسيرتك الطويلة في الرسم، ما الذي اختلف في ماجدة كخطٍ بياني وإنتاجي وفني. كيف تطورت لغتها وكيف تغيرت؟
– كوني في مجال إبداعي فعليّ أن أكون دائما متأهّبة لخوض تجربة جديدة كلّ يوم، أحاول منذ بدأت في هذا المجال ألّا أتوقّف عن التعلّم ممّا يجعلني في سعي دائم للتطوّر والتقدّم.
كلّما دخلت في تجربة جديدة استطعت معها أن ألمس في روحي أقانيماً لم أخبرها من قبل. فمثلا، في تجربتي الأخيرة “وجوه” -من مجموعة كأنّي أنت- المعروضة حالياً في متحف الشارقة للفنون، لمست بي شغفاً غريباً لسبر أغوار الوجوه وملامحها الغريبة، تلك التي رحلت وما زالت تسكن بنا فلا تفارقنا للحظة. كنت أرسم بشغف لم أستطع أن أتوقف لشهور لأني شعرت أنّي أريد أن أحاكيها أكثر وأكثر. وأحبّ أن أذكر هنا أن التجربة نُفّذت بالقهوة وبعض المواد المختلفة.
أودّ أن أذكر أيضا تجربة قمت بها في عام 2020 ألا وهي إعادة تدوير الكمامات التي أُجبرنا على لبسها وكنّا لا نعرف حينها إلى أين ستأخذنا دوامة المرض التي اجتاحت حياتنا على حين غرّة ووضعتنا أمام أسئلة لا جواب لها؛ أردت أن أتحدى البشاعة وأستبدله بالجمال فقمت بتعقيم بعض الكمامات المستعملة ورسمت عليها بعض اللوحات، واللوحة الأولى كانت “خليك بالبيت” ومن ثم تحية إلى رجال الصفّ الأوّل الّذين عرّضوا حياتهم للخطر من أجلنا، ثم توالت الأفكار إلى أن أصبحت تجربة متكاملة عُرضت في أكثر من مكان.
الجدير بالذكر أنّي خضت تجربة جديدة العام الماضي وهي كتاب مشترك مع الصديقة الشاعرة لوركا سبيتي هي شعراً وأنا رسماً- ذهان 4:48 عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر؛ سكبنا فيه الكثير من المشاعر والوجوه المشرذمة التي أبكاها الحنين وخذلها النسيان. كانت تجربة جميلة جديرة بالاحتفاء والتأمّل.
لا شك أنّ كل تجربة نقوم بها تضعنا أمام تحدّيات جديدة وأسئلة لا تنتهي وهكذا نستمر ونتطوّر.
لا أبالغ إن قلت أنّي كلّما دخلت المرسم شعرت أنّي بحاجة لتهجئة اللون من جديد وتتبّع صوته علّه يأخذني إلى أماكن جديدة حيث الدهشة والسحر. وهنا يكمن السرّ في أنّ المبدعين رغم معاناتهم الطويلة يعيشون حالات من الحبّ الأزلي الذي لا ينضب.
أمّا عنّي، بعد هذا العمر الذي مضى وأنا بين رحاب اللون والحبر، أجد نفسي أنّي ما زلت كالطفلة التي تحاول أن تفكّ رموز كلّ ما هو جديد. إكتشفت في نفسي شغفاً عميقاً لتعلّم واكتشاف أشياء جديدة كلّ يوم وهذا يمنحني شعوراً متجدداً يشبه البدايات الجميلة.
- هل ترين أن المشهد التشكيلي العربي مظلوم عالمياً، كيف ترين حضورنا العالمي.؟
– على الإطلاق، بلّ على العكس تماماً، منذ فترة ليست بوجيزة بدأ التشكيل العربي بإثبات حضوره في المحافل الدولية والعالمية، حيث أنّ امتدادنا الاغترابي -إن صحّ القول- لعب دورا هامّا بانتشار ثقافاتنا وفنوننا كما استطعنا إثبات هوياتنا رغم تشرذمها هنا وهناك. هذا وقد استطعنا أيضاً من تثقيف أنفسنا وتطعيم تجاربنا بتجارب الآخرين، حيث أصبح الآخر أيضاً مهتمّاً بثقافاتنا ومتأثرا بها.
ربما هناك فنانون مظلومون عالمياً ولكن ليس المشهد العربي ككلّ؛ مما لا شكّ فيه أن منصّات التواصل الاجتماعي قلّصت الاغتراب الكوني بين البشر وجعلت تواصلهم أسهل وأيسر من قبل بكثير.
- من تتابعين ولمن ترسمين وماذا تفكرين في المستقبل القريب؟
– أتابع زملائي الفنانين بشكل عام، كما أتابع كلّ ما هو جديد أيضا على الساحة الفنيّة ومواقع التواصل الاجتماعي من تشكيل وشعر وموسيقى. فالشعر والتشكيل توأم لأمّ واحدة هي الموسيقى فلا يكتمل المشهد بدونها. بالإضافة إلى متابعة مشروعي الذي بدأته منذ عام 2018 وقد أسميته الخربوشة اليومية، وهو عبارة عن وشوشة لون وحبر على الورق. بدأت بتصوير ما تيسّر مؤخرا لمواكبة التطوّر والتواجد عبر منصّات التواصل الاجتماعي فلا يكتمل حضورك إلا عبرها وهي حقيقة لم نعد نستطيع الهروب منها. كما إني أقرأ الجريدة بشكل يومي أيضا للاطلاع على كلّ ما يحدث في المنطقة.
فيما يتعلّق بالمستقبل، هناك الكثير من الأفكار في جعبتي، منها كتاب من نوع خاص، أعلن عنه قريبا حين تختمر لوحاته. كما أنّي أحضّر لمعرض شخصي يضمّ تجربة جديدة بالكامل بإذن الله.
أودّ أن أشكرك لهذه المساحة الخضراء التي منحتني إياها للتحدّث عمّا أحبّ.
رابط ورشة عمل الفنانة ماجدة نصر الدين:
https://www.youtube.com/@mimjoud