أكسم طلّاع.. حين تُجسّد الحروفيّة التّشكيليّة “التّجريد وصوفيّة البحث البصريّ”
19 يونيو 2023
أمامة أحمد عكوش – كاتب سوري
“صقلُ الألماس وحبسُ الأنفاس وجودةُ القرطاس”.. ليس ثمَّة تشبيه يخطر على البال في وصف التَّحضيرات اللازمة لكتابة الحرف العربيِّ أمام لوحاته، كهذا التَّشبيه للخطَّاط العربيِّ الوزير “ابن مقلة”، ريشة وكأنَّها مصقولة بالألماس .. تجلٍ لحروفيّة تشكيليَّة تواكبها رؤية مصحوبة بحبس للأنفاس .. تعاملٌ مع الورق والقماش بكلِّ المناخات التي يُجسِّدها وتَحْضُرهُ أمام عظمة وجودة القرطاس.
شكوم .. طبريا
حاملاً معه تراث أرض أجداده وآبائه من على ضفاف طبريا حيث مسقط رأسه في العام 1963 في قرية “شكوم” الجولان، مسافراً مع وجده ووجدانه إلى دمشق لتكون مسقطاً لقلبه وعوالمه، سابحاً في تجليَّات ذاكرة المكان السُّوريّة الطبيعيّة والحلم الفلسطينيّ، فتراب الأرض التي حَبَا في رحابها هي شجنه الأوَّل والأخير، لتخطّ أنامله كلّ هذا الموروث من طفولته، ووعيه وإدراكه في الزَّمن الحاضر، وليزاوج قلمه وريشته، بين الأصالة والمعاصرة، ويخرج بفنٍ جعل منه حُرُوفيَّاً تشكيليَّاً، يُعدُّ “بين الأهمِّ من أبناء لونه محليّاً وعربيّاً” حسب العديد من النُّقاد.
الأرابيسك .. صوفيّة!..
متقناً للكتابة بجميع الخطوط العربيّة، وإن كان خطُّ الثُلث بكلِّ ما به من تجليَّات سحريّة، وصور مرئيّة، وإحالات رمزيّة، من أكثر الخطوط التي يعشقها كما أكدَّ في أكثر من مناسبة، ومتألقاً في ميادين حروفيّة الأرابيسك “التَّشكيل الحروفيّ”. يجمع من خلاله خاصيّة الخطّ والتَّصوير، وجودة الكتابة في لوحة بانوراميّة جامعة، عنوانها “التَّجريد.. وصوفيّة البحث البصريّ”، ما بين مؤتلفات الخطّ، واللون، والحركيّة، بتقنيات متقدِّمة تخدم نوعيّة التَّشكيل، وترتقي به إلى مصاف ورؤىً جماليّة.
الحروف أمَّة!..
تتراقص الحروف في لوحاته من منطلق يتبنّاه، باعتبارها: “الحروف أمَّة من الأمم” كما يقول ابن عربيّ، ووفقاً لهذا المفهوم.. تسبح حروفه في طيّات مؤثِّراتها اللونيّة المكشوفة على دائرة الألوان الأساسيّة، وإن كان “الأصفر الذَّهبيّ”، النَّاريّ المتوهّج، محلِّقاً في فضاء عوالمه عبر كلِّ الفضاءات، ليَتّكِئَ في بعضها على صوفيّة، يجسّدها عبر الأخضر تارةً، ومن خلال الأزرق تارات.
بدء .. اكتمال!..
لكلِّ حرفٍ معانٍ ومدلولاتٍ يفهمها جراء إيمانه المطلق بها، فالنُّون الذي يُعرَّف بكونه “اكتمال المعرفة”، يراه على أنَّه فعلاً كذلك.. والباء التي تعني امتداد الأفق على الأرض، نجدها حاضرة في فنِّه باعتبارها المدى، والألف الذي يعني البدء لكلِّ المعاني، فهو كذلك في قاموسه “بدءٌ للمعرفة”. “يعنيني الحرف العربيّ أكثر من أيّ شيء” هكذا يقول .. ويضيف: “كيف لا! وقد قال بيكاسو: “لم أصل في التَّجريد إلى نقطة، إلَّا وكان الحرف العربيّ قد سبقني إليها”.
صحافة .. غرافيك .. جوائز
يكتب للصَّحافة السُّورية منذ ما يزيد عن الـ 30 عاماً، خطَّاط ومصمّم غرافيكيّ لأغلفة كتب ومطبوعات متنوّعة، عضو في اتحادي الفنانين التّشكيليّين والصُّحفيين السُّوريين، أقام العديد من المعارض الفردّية، وشارك في العديد من الجماعيّة في سورية وخارجها، كما حصل على شهادة تقدير من “بينالي الشارقة” عام 2008، وشهادة تقدير ملتقى “الدّالية الدُّولي” في ذات العام، إضافة إلى جائزة “البردة” عام 2011 في أبو ظبي.
التّراب!..
هو القائل: “تعلَّمت الكتابة على التّراب، الذي منه خلقنا وإليه سنعود .. لا زلت ذاك الطّفل الذي تعلَّم الرَّسم من التُّراب وعليه.. وسأبقى ابنه، وحتّى اليوم.. أنتقي من التّراب، وأعمل بناء عليه ومنه وأيضاً سأبقى .. أنا مولع بأكل التّراب، وهو ذاك الحلم المرتبط بالأرض، التي تعنيني قبل أيّ شيء، وكلّ شيء” .. هو ابن التُّراب والأرض الفنان التَّشكيليّ السُّوريّ أكسم طلّاع.