سامي سعد: نحن من جيلٍ قدّت عظامه من الحجارة

20 يونيو 2023

حاوره؛ هاني نديم

“أخيراّ أرتد ألي عقلي
لاأعرف شعوري الآن بالضبط
أفرح أم أحزن ?
لكني تحت وطأة العقل
مضطر لتقديم بطاقة تعارف….
أتذكر أني رجل متدين
لكن لن أفصح أبداّ عن طقوسي الخاصة
في وقت ما
أصابتني لوثة حب البلاد
قبل أن يمن الله علي بالشفاء التام”
هذا المقطع الشعري ينفع تماماً كبطاقة تعريفية بالشاعر المصري سامي سعد، إنه الشاعر المختلف والمخالف والخاص، والروائي الذي يكتب الرواية بروح شاعر نزق ومتخفف. إنه أحد كتاب قصيدة النثر رفيعي الجناب، والذي يطهّرك بقصيدته ويحمل معك مشاعرك التي لا تستطيع شرحها.
التقيته في هذه التساؤلات:
  •  بعد كل هذه السنوات من الكتابة والشعر وحرقته، لخص لي تلك الأيام.. ما الذي خسرناه في الطريق وما الذي ظل معنا؟

– قد بدأت الكتابة في سن مبكرة ( تحت ألحاح الحاجة للتعبير عن ذات منفردة) وكان ذلك بسبب التهجير القسري أثر حرب حزيران، وأظن الأمر سينتهي كما بدأ لدي، قناعة تامة بأن الذات هي مصدر كل النور والظلال، لم أكتب خارج ذاتي مطلقاً، حتى ما يخص العالم والبشر وكل الأشياء، كان يصدر عن تفاعل تلك الذات مع رؤاها .. كانت الأحداث كبيرة ، والرموز تلقي بظلالها، والمجتمع يتحرق بشتي الولادات والمواجع..

الحقيقة كنت واغلا في التفاصيل، نهما لكل شئ، راكضاً كمن يقفز فوق جمر ، وأري تلك العجلة ضد الفن، لكنها كانت مناسبة للعمر أيضاً. لاأعد كتابة البدايات سوي محض بذور ، أرهاصات غيم، لذلك لاأعود أبداً لنص كتبته، وأقول: هو إعداد لقصيدة قادمة.

.. ماخسرناه ليس سوى الحلم! العدالة بكل وجوهها، الطاقة والشغف الطفولي، براءة الروح الأولى، وذلك كثير جداً، ولولا أننا ننتمي لجيل قدت عظامه من حجارة لآثرنا الركون للخيبة وشاركنا جوقة الباكين والصارخين في برية الوقت المحل.. والذي ظل هو اليقين بأننا حاولنا ..

لم نبع ولم نشارك في مهزلة، لم نتسول اعترافاً بمكانة أو نزحف للحصول على جائزة ظلت قناعاتنا بأننا الصواب الذي لم يحتمله الجميع ..

لم نبع ولم نشارك في مهزلة.. لم نزحف للحصول على جائزة

  •  يكثر الكلام عن تحول مركزيات الثقافة العربية من الدول المركزية نحو بقية الدول، ألا تجد ذلك محقاً، ألا ترى أن صناع الثقافة الرواد تأخروا في همومهم ومعاناتهم اليومية؟ كيف ترى الأمر

-تحول مركزيات الثقافة العربية ؟ لكن ذلك طبيعي للغاية بتحول المعايير الحاكمة الأن ياعزيزي لاأعرف الفرق بين الثقافة والأعلام! يقول دولوز : الإعلام يصنع نجوما ورموزا ويضع هالات حول ما يجلب له الربح، كونه صناعة!

مادام الربح هو المعيار الحاكم فمن يملك هو المركز وهو السيد وهو عمود النور ، بغض النظر عن المحتوى .. ليست الحاضنة كالأم ولن تكون.. المراكز الثقافية القديمة كالقاهرة وبيروت وبغداد ودمشق تبحث عن رغيف خبز الآن. فيما هناك مراكز جديدة توزع المنح والجوائز بمئات الألوف، ليس في الثقافة وحدها. بل في الرياضة وجميع أنشطة الحياة..

أضف ألي ذلك ظهور المنصات الجديدة، عالم السوشيال ميديا. لقد فرض سطوته، ولم يعد من الجائز تجاوزه. هذه السهولة في الظهور ، السيولة المفرطة أغوت الجميع للسباحة في عالم خلا من جميع الضوابط والأمانة في العرض، مع غياب تام أو انقراض حقيقي لدور النقد الفاعل.

المراكز الثقافية القديمة كالقاهرة وبيروت وبغداد ودمشق تبحث عن رغيف خبز الآن

  • كيف تقرأ المشهد الشعري في مصر؟ وكيف تنظر إلى المشهد العربي عموماً؟

– المشهد الشعري في مصر هو جزء من المشهد العام فيها. الصوت الواحد ، والباب الأوحد للمرور ، واللغة الوحيدة التي يسمح للتحدث بها، والخروج عن ذلك هو النشاز .. هناك أصوات ولن تخلو الساحة من بلابل جدد، لكن شروط المرور عسرة ومنافية لكل روح حرة مبدعة.. المركزية تحكم المشهد في القاهرة، عليك التواجد بالعاصمة، وارتياد المقاهي، والتودد لدور النشر ، لم أتقن يوماً عملي كرجل علاقات عامة.. وأري أن لاعلاقة للشعر بذلك العمل، أضف الي كوني ربيب صحراء وبادية أمقت الزحام، وأحب العراء والعشب ورائحة الزعتر وعرق الخيول وأغاني السامر البدوي، تلك جذور ثقافة ولغة يتعذر على المدن الكبري هضمها ، أو حتى التوقف أمامها، في الحقيقة كلانا مخلص لجذوره، راض بموقعه، وأشعر أني لم أخسر شيئاً.

لم أتقن يوماً عملي كرجل علاقات عامة.. أنا ربيب صحراء وبادية أمقت الزحام

  • حدثني عن أحلامك وآمالك، خيباتك وانتصاراتك، عن سامي سعد

أحلامي؟ أن يستدير الزمان ويعود حيث كانت طفولته، بدائياً ، نظيفاً ، تعرف كل الكائنات حدودها، والطبيعة مواسمها، لاشئ في الزمن جدير بالاهتمام سوى الطفولة ..

آمالي قليلة توائم الشح في أعطيات الوقت.. أن أعود الي حقلي وأعيد غرس الأشجار من الزيتون وحتى القرنفل، أواصل حواري مع العصافير والليل ونساء القمر لاآمال أدبية قط .. لم تكن لي آمال غير كتابة ما أحب وقد فعلت..

خيباتي يراها الآخر، أما أنا فلا خيبات لي، ذلك أني حتى خسائري ، جرائمي، كنت قد قمت بها عن قناعة تامة، فلم أعرف الشعور بالندم والأحساس بالخيبة الخيبة أراها كمظلة واسعة تجلل الرابضين في الكهوف، نحن رعاة قدامى، دائمي الارتحال صوب الشمس والينابيع والعشب .. طيور أينما سقطت لقطت كما يقول الجيلاني العظيم

انتصاراتي أيضاً صغيرة، لكنها جديرة بالزهو ، أعرف مساحتي، أواظب على رفقة المحبة لا الحب.. ولائي للخلاء، الأطفال ، العجائز ، لأخزام في أنفي، ولندوب لا أستحي من ظهورها، عارٍ وخفيف الوزن، لاأكره وأكتفي بالتجاوز .

قد يعجبك ايضا