30 يونيو 2023
سامح محجوب – شاعر مصري
“لا تمُدَّ يدَك حتى تستطيع أن تمدَ قدميك، وإياك والكذب”.. حول هذه المقولة كانت تدور حياتُه وقناعاتُه، لهذا لم يتورط يومًا فى الدفاع عن نفسه، كما لم يتورط فى محاباة الآخرين لأنه كان خالصًا لفنه وتجربته التى ظل طيلة حياته مطمورًا فى طيَّاتها قابعًا على باب فتنتها التى لا تدرك ولا تنتهى.. فقط تكشف عن ساقيها إمعانًا فى الغواية والمُمانعة… تَعلَّم مِن أمه أن يستكنِهَ الأشياءَ والموجودات كى يتعلمَ لغتها ويعرف أسماءها الحقيقية المُجردة، كما تعلم منها أن الاستغناء هو الغنى الحقيقى..
أنا طفلٌ.. وأعلم أننى طفلٌ..
وعشت بقريتى خمسًا وعشرينا
أُسامرُ كوكبًا فى الغَيمِ مسجونا
وأعلم أننى سأعيش أصغر شاعرٍ
وأموت مجهولًا ومغبونا
ليس صحيحاً يا سيدى الشاعر… الغيم سينقشع والدلالة سيدركها عَبَدةُ اللذة الإبداعية الذين ينامون على باب قصيدتهم؛ أملاً فى المثول بين يدى جلالتها.. هؤلاء فقط سيُبَلِّغون عنك ويبشرون بك يوم أن تستردَّ القصيدة عافيتها ويدخل النملُ الأبيض مساكنَه.. يوم أن يتحسسَ الذين يحكمون البلادَ عقولهم وأفئدتهم بدلًا من أن يتحسسوا بنادقهم..
أصرخُ فى المدينة المستسلمة
لعلها تبصق ساكنيها
أدورُ فى الساحات والشوارع
أنفخ فى الحفائظِ المُرَّةِ والضغائن
لعلها تدفع من بنيها فتىً
يرحمنى من جسدى الجوَّال
بين السؤال والسؤال
يا سيدى.. من يفتح نافذة الأسئلة كمن يدور حول ظله.. الأسئلة حصارك المنيع الذى لم تستطع أن تفكه.. كما أنه لم يستطع أن يدور إلا حولك.. هكذا هى الحال… وكذلك هو المقام.. الشاعر الحقيقى محمد عفيفى مطر لا يُغَيِّرُه الإنسان محمد عفيفى مطر.. الوجه واحد.. والثوب واحد.. والغمام واحد.. ولا مكان للأقنعة..
لو كنت أعرفه.. لو كان يعرفني
لحملتُه خبزى وحملتُه كفني
وعرفت أن نداءه المذبوحَ يكشفني
نصفى يموت هناك
نصفى هنا يبكي
…..
هل تسمعوننى
أصرخُ تحت ماء الغُسل خائفًا فى كفني
لا تربطوا يدى لا تقيدوا أقدامي
فربما أهرب فى الظلام
ولا تقيموا مأتمي
فإننى المطلوب بالثأر لكل صرخةٍ
وقطرةٍ من الدم
عوالم متنوعة ومتشابكة ومتصارعة تتحرك فى إيقاع خفى يعكس بوعى عميق حركة الحياة التى كان يؤمن عفيفى مطر أنها تنطوى على نظام وتناغم يشبه تمامًا القصيدة بمُرتكزاتها الكلاسيكية التى تحتاج فقط لمبدع كبير يَهُزُّ المعنى ويُعيد إنتاجَ الدلالة، وهذا ما حاول محمد عفيفى مطر أن يفعله طيلة رحلته الشعرية التى امتدت عبر أربعة عشر ديواناً.. استطاع محمد عفيفى مطر أن يفلت فى معظمها من اجترار الذاكرة بصبرٍ وعزيمةٍ وجُهدٍ حقيقى فى مواجهة النص وأعداء النص الذين اتهموه بالغرابة وتعمد الغموض والاستغلاق، وواجههم هو بابتسامته الصافية الواثقة التى تربَّت فى حضن سنابل القمح وأعواد الذرة… تلك الطبيعة الصريحة الزاهية التى تمقت الحياد وتأنف من الرمادية..
لى خيمة فى كل بادية
ولى كهفٌ ألوذ به
ولى طللٌ وشاهدُ مدفن
وهدير كلب حول نيران القرى
وأنا المغنى
وجامع الأشعار
من متردم الشعراء
أروي ما رأيت لمن أرى