الشوكولا.. مسيرة البرجوازية والاستعمار من الجنوب للشمال

في غانا، على حدودها مع توغو، تقع حقول الكاكاو عند مدينة “أفلاو”. حقولٌ لا حصر لها من أشجار الكاكاو الذي لم ينجح في جعل غانا ثرية كما يجب، والأنكى والأمرّ من الكاكاو الخام، أن مزارعي الكاكاو يعيشون ويموتون دون أن يروا قطعة شوكولا واحدة! تلك القطعة التي تراها مسلفنة ومذهّبة ومقدمة في متاحف الشوكولا في سويسرا وبروكسل وباريس وألمانيا، تأتي من غانا، يقطفها أناسٌ لم تذب قطعةٌ منها على لسانهم يوماً، بل لا يعرفون من أصله طعم الكاكاو الذي يحتاج إلى معالجات صناعية ليصبح حلوى الملوك..

في غانا، يحتفون بالموت ويغنون له، تتحول الجنازة إلى عرس بهيج ورقص مستمر إذ أن الانتقال إلى حياة “القوة والخلود” يستأهل كل هذا الرقص.

ماذا يفعل الغانيون؟ يغسلون الميت جيداً، ويلبسونه بدلة “توكسيدو” ثم يجلسونه على كرسي لائق، فيأتي إليه الناس. فلانٌ يعاتبه، وفلان يتدخل عليه أن يسامحه، وفلان يعدّه وعلتان يوصيه. بعد هذا؛ يرقصون حوله ويعزفون ثم يدخلونه إلى القبر عبر تابوت متصل بمهنة أو هواية الميت، فقد يكون تابوته كتاباً او إصبع موز أو حتى حذاء!

غانا قبرٌ كبيرٌ ملونٌ أيضاً رغم كل ثرواتها، ذهبٌ، ملحٌ، معادن، نفط، لكنها فقيرة كمعظم دول أفريقيا، ولولا أن شعبها مشهور بقوته وجبروته في إنجاز الأعمال لما نجت من الكوارث والمجاعات.

بعد اكتشاف الكاكاو في المكسيك، 1520، وبعد تجارب عديدة وخلطات متعددة ليصبح طعم الكاكاو مقبولاً، ظلت إسبانيا تحتفظ بسرّ صناعة الشوكولا لقرن من الزمن، بعد ذلك أصبحت أوروبا تغزو بلاداً وتسير جيوشاً لأجل “الكاكاو”، وهذا سبب رئيس لاحتلال بريطانيا لساحل العاج وساحل الذهب “غانا”، أول بلدين في إنتاج الكاكاو في العالم.

جلست فيها ثلاثة أيام وأنا في طريقي لموريتانيا، وإن أردت أن ألخص تلك البلاد للخصتها بأنها بلاد الرقص، يرقصون تحت المطر وفوق الجمل وفي الجنازة والمفازة والسوق والشارع والبيت… إضافة إلى أن غانا تعني النساء أولاً، النساء تعمل، النساء تقدم، النساء تنتج، تتاجر وتفاصل وتعقد وتبرم وتفصل.

قد يعجبك ايضا