«الكابتن» مذنب … من كان منكم بلا خطيئة فليرمه بحجر!

17 يوليو 2023

وسام كنعان- مكتب دمشق

في عام 1940 نشرت جريدة «واشنطن بوست» خبراً عن صحّة الرئيس روزفلت الذي كان يقبع بالفراش بسبب نزلة برد، لكنّ خطأً مطبعياً جعل الخبر يبدو بأن الرئيس في الفراش مع طالبة! الأمر الذي خلق حالة من الكوميديا والهزل، خاصة عند المعني الأوّل بالأمر أي الرئيس، والذي طلب بدوره مئة نسخة من عدد الجريدة ذاك، دون أن يحصل عليها لأن مكتب توزيعها اشترى كامل النسخ وأتلفها وأعاد صدورها منقّحة مع اعتذار رسمي!

إذاً، لنتفق بأن الأخطاء تحصل حتى في كبرى المؤسسات الإعلامية، لكّن الأكيد بأن أعقدها تلك التي تتعلق بالقادة والسلاطين، إذ يذكر التاريخ كيف وقعت صحيفة «كيفسكايا ميسل» الروسية  في خطأ فدح عندما أرادت تغطية حدث زيارة والدة الإمبراطور ماريا فيودوروفنا الى فنلندا، بخبر رئيسي نشر تحت عنوان «مكوث الإمبراطورة الأرملة ماريا فيودوروفنا في فنلندا» ولكن حدث خطأ في كلمة (prebivaniya– الروسية وتعني مكوث) حيث حل حرف (o) محل حرف (r) فتحولت كلمة مكوث الى كلمة (مُجامعة ) مما أثار الضحك في بعض الصالونات الأرستقراطية، وتم جمع ما تبقى من النسخ في السوق، ثم صدرت الجريدة في اليوم التالي وفيها اعتذار شديد من العائلة المالكة ) لكن الأمر لم يتوقف هنا، إذ  كان من المفترض أن يحلّ رئيس تحرير الجريدة أمام القضاء ليحاكم بتهمة إهانة العائلة المالكة! ولحسن حظّه فقد طوي الأمر لأن فكرة وضع الموضوع أمام القضاء كان ستحّوله إلى فضيحة مدوية تجعل من الأمر حديث الناس والشارع على مدار زمن طويل، لذا فقد  لفّت الصفحة وأتلفت في أرضها!

هذا سلوك مهني وحضاري في آن معاً، وهو ما ربما يصعب على القائمين على القرارات الإعلامية السورية امتثاله! خلال فترة وجيزة وقع التلفزيون السوري في مأزقين: الأوّل عندما استضاف برنامج «جذور» الكاتب المصري يوسف زيدان، فخرجت أصواتاً مغالية لتقول بأنه «من العار استضافة مطبّع مع العدو الإسرائيلي» ليصل الأمر إلى إصدار بيان اعتذار باسم وزارة الإعلام السورية! بينما كان الخبر الأكثر إثارة للجدل ما حصل في البرنامج الرياضي «الكابتن» (يقدّمه ويرأس تحريره محمّد الخطيب) بعد أن قرأ الرجل خبراً عن خطة طرح مطار دمشق الدولي للاستثمار نقلاً عن «جريدة البعث» الحكومية لكّن في نهاية الخبر وردت جملة توقف المقّدم عن ذكرها وفيها: «اتهام بالهيمنة الإيرانية والروسية على البلاد!»

ومن ثم نبّه الخطيب فريقه بأن الخير فيه شيء مغلوط، وكان  يجب ألا يمرّ. كلّ ذلك لم يشفع له، فسرعان ما صدر أمر بإيقاف البرنامج لحين خضوع فريقه للتحقيق ومعاقبة المسؤولين!

يا للهول! أيّة رقابة تلك، وأي ضمير متيّقظ هذا الذي يتابع الإعلام الرسمي السوري بهذه الدقة وهذه الصرامة والعقلية المتصلّبة التي لا تقبل الغلط! طيّب ببراءة دعونا نسأل، لماذا لم يسبق معاقبة من يعتقد على الهواء بأن مدينة الزبداني  هي محافظة مثلاً؟! أو أن الشاعر الشهير اسمه أبو فارس الحمداني؟ ولما لم تتم محاسبة من قلل علناً وعلى هواء التلفزيون الرسمي من شأن الشعب السوري قاطباً والذي صمد بوجه الحرب والفقر والإرهاب، أو لم يتم مساءلة من فتح الهواء مرّات ومرّات لإهانة الناس! ولماذا لا يتم الوقوف عند الفساد الذي يتسيّد كثير من المشاهد الإعلامية الحكومية وغيرها!

الأكيد بأن «الكابتن» أخطأ، وبأن الخبر تم نقله حرفياً عن موقع معارض نسخه هو بالأساس عن جريدة البعث وأضاف عليه اتهاماته المهينة! لكن هل يستحق الأمر كلّ هذا، ألم يكن من الأجدر تطويق الموضوع حتى لا يصبح مستمسك ضد التلفزيون الرسمي، الذي لا يوجد فيه مساحة خرم إبرة، إلا ويمكن أن تصبح مستمسكاً عليه!

القرار والعقوبة جعلت الفرصة مواتية أمام وسائل الإعلام المعارضة لكي تشمت وتتشفى، وتتداول الخبر كأنه الفتح المبين!  عدا عن محاولة البعض النيل من الإعلامي السوري الذي ترك أسلوبه النقدي له الكثير من الأعداء.

عدا عن تحقيق فعلي تعرّض له فريق البرنامج أعرب فيه رئيس تحريره عن مسؤوليته المباشرة عن الخطأ.

على أيّة حال من يعمل حكماً يجب أن يخطئ، والواجب أن يسامحه صاحب القرار ويشّد على يده ويشّجعه لكي يستمر بثقة. وحده المنكفئ على نفسه والمنعزل عن أي محاولة والمستكين للسواد القاتم الذي يحيط بنا، هو من لا يخطئ لأنه لا يعمل، فقط  يبدو أنه مستعد لتشتم الناس، والحكم المطلق عليهم، وفتح النار في وجهوهم، وتوزيع صكوك الوطنية حسبما تملي عليه معتقداته المتعصبة!

قد يعجبك ايضا