محمد ملوك: المجانين كلهم أصدقائي!

3 أوغست 2023

حاوره: هاني نديم

عَلِقنا بتلك المطاراتِ حَصرًا
كأنا لصوصٌ على بابِ بَنكِ
يراني ابنُ عَمِّي مِن الباطِنِيَّةِ
والأجنبيُّ يراني مُورِسْكِي..
عبرتُ مع العابرينَ
كأنيَ أعبرُ من فوقِ جمرٍ وشَوكِ
وكم من وراءِ الزجاجِ
مشى متحفٌ في الطريقِ
بجانبِ سِيرْكِ
فلا فَضلَ لي في الحَياةِ
سوى أنني لم أَمُت بالرصاصِ الفِشِنكِ!
لعل هذه الأبيات تشكل مدخلاً لا بأس به إلى عمود محمد ملوك الجديد بالكلية. نص حداثي مكتوب على أوزان الخليل بكل سلاسة وتلقائية. ودهشة لا تغيب، وهي ليست دهشة مجانية على الإطلاق.
محمد ملوك الشاعر المصري المختلف والاستثنائي في طرحه وأوزانه وقوافيه وتناوله للمجاز والإحالة يشير إلى حالة متجددة في عشق الشعر بشكله الأول، والذي كلما قلنا عنه: اندثر، عاد بكل قوة على أيدي شعراء مجيدين يعرفون كيف يتحركون على ألغام التفاعيل. 
التقيت ملوك في حوار سريع عن الشعر وعنه خارج الشعر. سألته:
  • مبتدئاً منك، من تلك القصائد البيّنة كحمامة بين الغربان، من أين هذا وما هو تكوينك اللغوي والشعري، حدثني عن علاقتك بالشعر منذ البداية حتى اليوم.

– في بيتنا كان مؤشر الراديو لا يتحول عن إذاعة القرآن الكريم، ولعل هذا هو السبب البعيد لحبي للغة العربية، أو اللغة الشاعرة على حد وصف العقاد، وإحساسي بجمالية مفرادتها مفردة، وبحيويتها في السياق. قراءاتي القديمة لم تكن تتعدى الكتاب المدرسي، وفي الغالب كنت لا أتم كتابا، ومع ذلك كنت متفوقا دراسيا.

بدأت أرتاد المكتبات المدرسية والعامة في الثانية عشرة تقريبا وكنت مهتما بالقصّ العجائبي وبالمغامرات كمعظم جيلي، وما تزال عندي كتب استعرتها إلى أجل غير مسمى! مع شغفي بالقراءة كرهت تلك الكتب المدرسية لما بها من سماجة وسخف، يقول رامبو: ليس من الحكمة أن نبلي سراويلنا على مقاعد الدراسة. كان أقراني يسرقون الفاكهة وكنت أسرق الفاكهة والكتب وينفقون مصروفهم في شراء الطعام وأنفق مصروفي في شراء الكتب والسجائر وتذاكر السينما – كانت رديئة جدا- إنها لعنة المعرفة الجميلة… الآن أقرأ أقل وأكتب أقل…

  •  هل أنت غاضب كما أتخيل – من المشهد الشعري المصري والعربي؟ ما هي قراءتك للمشهد عموماً ماذا ستغير به لو كنت تمتلك الأدوات؟

– قبل الحديث عن المشهد الشعري المصري الذي لا يختلف كثيرا عن المشهد الشعري العربي، فمن العدل أن ننظر إلى المقدمات التي أوصلتنا إلى الوضع الحالي، فقد تسارعت الأحداث بعد ثورات الربيع العربي بشكل عجيب، وانشغل الناس بلقمة العيش بشكل أعجب في ظل التدهور السياسي والاقتصادي.

ربما نعرف جميعا من يجب أن يلقى عليهم اللوم، ولكن: لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي. جمهور الأدب في كل عصر هم الصفوة، أما الآن فهم صفوة الصفوة، والذين يديرون المشهد – على الأقل مؤسسيا- فأغلبهم يتمتع إلى  جانب شح ثقافتة بأنانية مجحفة، ومع ذلك فكثرة الغثاء لا تنفي أن هناك تجارب معاصرة غاية في الجمال تبز تجارب كبرى في تراثنا العربي إن لم تكن تتخطاه بثقة.

بمناسبة سؤالك عن أدوات تغيير المشهد، أظن أداة واحدة بعدد محدود من الطلقات ستفي بالغرض تماما، وسأعود بعدها إلى صفوف الجماهير أؤدي عملي كأي مواطن عادي.

هناك تجارب معاصرة غاية في الجمال تبز تجارب كبرى في تراثنا العربي إن لم تكن تتخطاه بثقة.

  •  إن صدقت فكرة الأجيال، كيف تنظر لبقية الأجيال التي سبقتك، نحن مثلا ومن قبلنا؟

– منذ مدرسة الإحياء التى أوجدها البارودي مرورا بشوقي شاعرا ومسرحيا وشعراء الديوان وأبولّو والرومانسيين الأفذاذ والمهجريين، والمجلات من الرسالة حتى فصول، لا يعلق في ذهني إلا أسماء لا تتعدى أصابع اليدين، ولا ينفي هذا أثر الآخرين في لاوعيي. الأديب خاصة الشاعر يجب أن يكون موسوعيا إن أراد أن يترك ما يدل عليه، ولذا فقد أضع كيميائيا أو رياضيا أو عالم طبيعة في جيل أدبي مثلا.

يضحكني الساسة والمهرجون، ويبكيني المجانين الذين ملؤوا الشوارع

  • بعيدا عن الشعر، حدثني عن محمد ملوك، عمله، حياته ما الذي يضحكه ويبكيه، عن الأصدقاء والبلاد؟

– رغم تخرجي في كلية التربية متخصصا في اللغة الإنجليزية إلا أني عملت في مقاهيَ ومطاعم وكنت فاشلا تماما وما زلت!، وعملت في التجارة وما زلت، فربحت وخسرت ولعل ربحي الأكبر هو ما أتعلمته كل يوم في السوق. يضحكني الساسة والمهرجون، ويبكيني المجانين الذين ملؤوا الشوارع – ظاهرة لافتة مؤخرا- يبكيني من يغرقون هربا من الجحيم، ومن تقصف بيوتهم بلا ذنب، ومن يساقون إلى الموت انتقاما من حضارة أجدادهم، أو مِن تراث تربوا عليه، أما دماء الأطفال فتذبحني بسكين باردة.

عن أصدقائي وحياتي أجيبك بهذين البيتين من قصيدة لي:

المجانينُ كلهم أصدقائي وحياتي مليئةٌ بالدراما

غير أني إذا انبسطتُ أغنِّي وأعبُّ السما غمامًا غماما

وعن البلادِ أجيبك بهذا البيت لي:

لا أعرفُ الشرطيَّ، أعرفُ أنه إن لم يهاجمني فلن يحمِيني!

 

قد يعجبك ايضا