8 أوغست 2023
حاوره: هاني نديم
برز اسم عامر الطيب في السنوات الأخيرة بسبب نصه النثري المدهش وغزارة عطائه، فهذا الشاب (وهو يكره هذه الصفة) مواليد 1990، أصدر قرابة الـ8 مجموعات شعرية وله مجموعات أخرى في المطبعة إلى جانب أن نصوصه ترجمت لعدة لغات. إنه شاعرٌ خاص بثقافة موسوعية، شغوف بالشعر والأدب إلى حدّ الهوس.
سألته:
- تكتب بغزارة هائلة، ويضم نصك مجموعة كبيرة من النصوص المتفرقة، ما الذي يجمع بينها، وأنت لا تؤمن بوحدة النص، كيف “تلضم” نصوصك بخيط واحد، أحب أن تشرح لي تقنيتك الكتابية؟
– صرفاً للنظرِ عن القراءة التشريحية للنص وعزل كلِّ جزء من أجزائه كما تعزل الأعضاء في المختبرات فإني أرى أن المقاطع التي أكتبُها غالباً تنتمي إلى لحظةِ صنع واحدة حتى عندما تبدو مختلفة المواضيع والدلالات، و عبر ذلك الفهم فإن كتابتي لأربعة عشر نصاً تشبه كتابتك لنصٍ واحدٍ لأن الدافع المركزيّ هو حالةُ الكتابة، حالةُ الاحتفاء بالحياة و مواجهتها من أجل الامتزاج لا من أجل الترّفع، وكونك شاعراً فأنك ستفهم ذلك دون اتهامي بالسفسطة أو بالغلو، ولعلي أجد الوقت مناسباً لأدعمَ خطابي لك مستعيراً قول ويتمان: أنني أحتفل بنفسي وأغني نفسي لأن كلَّ ذرةٍ أملكها أنا تملكها أنت أيضاً .
ما الذي تعنيه تقنية الكتابة إنها لا شيء بالنسبة لكاتبٍ بالقدر الذي قد يستغرق منظّر أو ناقد مئات الصفحات من أجل إيصال مفهوم واحد عنها للقارئ، و أعني أن كل كاتب منشغل بعملهِ، لأن هذا هو ما ينبغي عليه أن يفعله فحسب .
إطلاق الصفات المطلقة تساهم بتحويل كائن يفكّر و يحسُّ و يرى و يخطئ إلى صنم
- لعل لديك ما تقوله في فكرة الأجيال، ومفهوم الشعراء الكبار والصغار، خاصةً وأنك تدافع بشدة عن أبناء جيلك، ماذا تقول في هذا؟
– يتحسسُ شعراءٌ كثر من كلمتي”الكبار” و “الصغار” و لعلي منهم، إذ أن الشاعر بوصفه صاحب نشاط إبداعي لن يتحقق وجوده إلا عبر نتاجه الحيّ لذا فإن إطلاق صفة مطلقة تساهم بتحويل كائن يفكّر و يحسُّ و يرى و يخطئ إلى صنم ولعل ذلك يخيّب أمل الشاعر نفسه أكثر مما يزعج حساسياتنا، إني مهتمّ بالقصيدة و لا تعنيني حمولاتها التاريخية فأنا أقرأ غالباً كقارئ متذوّق لا كمحقق.
فكرةُ الأجيال هي تعريف كوني لتطور الشعر إذ أن تاريخ الشعر هو تاريخ الشعراء، تاريخ موتهم وحياتهم، تمردهم وكسلهم، ولذا من لصعوبة بمكانٍ فصل أي شاعر عن رواسخه الثقافية لكن ذلك لا يعني دائما أن الشعراء الأقدم جيلاً هم البوصلة وأن رؤاهم للشعر رؤى مطلقة عن الشعر في كل زمن.
أنا مع أن يتعلم شعراء كل جيل من أقرانهم أكثر مما يتعلموا من أسلافهم بل لعلي أرى من ناحية أخرى أن الشعراء الرواد أو الآباء هم الذين ينبغي عليهم اليوم الوقوف عند رؤى و نتاجات الشعراء الجدد وقوف المتأمل و القارئ لا وقوف الأب فحسب.
- هل أنت مع مقولة الشعر عراقي؟ وبم تحدثني عن المشهد الشعري العراقي ومنه إلى العربي؟
– دع عنكَ مما يُكَتبُ عن المشهد كما لو أنه مشهد واحد ،أن العشوائية هي الصفة الغالية على شعراء هذا العصر في العراق أو في غيره من البلدان، وذلك يعود لأسباب سياسية واجتماعية لا لسمات إبداعية فحسب، يبدو كما لو أن كل شاعر يشكّل نفسهُ بل قد تجد تشابهاً عميقاً بين شاعرين ينتمي كل واحد منهما إلى بلدٍ أكثر مما تجده بين شاعرين ينتميان إلى البلد نفسه، تشظت فكرة الحدود ليس بسبب الفيسبوك وغيره من وسائل الإشهار، إنما لأن الذهن البشري لم يعد مطمئناً لها فضلا عن ذهن الشاعر ودقة حساسيته، لم يعد الشاعر قادرا على البقاء حبيساً داخل مقولة واحدة، ولم تعد عبارة المشهد معبرة بدقة عن المجال الذي يشغله شعراء من كل مكان، شعراء مجتمعون في عصر واحد وفي أرض واحدة، لكن رؤاهم و قلوبهم و قصائدهم شتى.
و بدلاً من الحديث عن المشهد يمكننا الحديث وإن بنحو هامشيّ عن الشعر دون الانتباه لهويته فإن الشعر يزدهر ازدهاراً عجيباً في زمن موته ولعل تلك من معجزات ذلك الجنس الأدبي الأزلي الخالد.
يبدو الرهان بالنسبة لي على شاعريتنا خارح النص الإبداعي
- حدثني عن عامر خارج الكتابة، ماذا يفعل وكيف يعيش، الأصدقاء، الكتب، البلاد..
– يبدو الرهان بالنسبة لي على شاعريتنا خارح النص الإبداعي، في محيطنا و مع رفاقنا، في حلنا و ترحالنا نحاول أن نبرهنَ على شاعريتنا.
أنا أحرر و أقرأ و أعد تقاريراً صحفية هذا هو عملي، وأنا أيضا موظف بعنوان كاتب حسابات في دائرة حكومية، أنا مواطن، أب لابنتين و أخ لأحد عشر أخا، وإن كنتُ أحسب نفسي قد صرتُ أخاً لأصدقائي أكثر مما صرتُ صديقاً لأخوتي.
أقدّرُ الكتب و أوليها الاهتمام ، أحذر منها و أتحسس من بقائها طوع يدي، قراءاتي إلكترونية فقط إذ مضت سنوات طويلة على خلافي مع الورق .
أما البلاد فإني لم أزر سوى سوريا ولبنان، بل أنا أزر أغلب مدن بلدي، لكني أرى أن السنوات القادمة ستكون سنوات السفر في تاريخي الشخصي و التوفيق من الله.