“زرياب” يوّدع روّاده … دمشق تكاد تفقد روحها!

وسام كنعان- دمشق 

 15 أغسطس 2023

المقاهي روح المدن! ودمشق ستّ المدن وأقدمها فماذا حال روحها هذه الأيّام؟!

منذ عام 1938، يعرف الدمشقيون مقهى «الروضة» مثلاً والذي بني على أنقاض سينما «صيفية»، وبات قبلة تستقطب تناقضات حادة التباين من مختلف شرائح المجتمع السوري من أعضاء مجلس شعب إلى سياسيين ومثقفين وفنانين ومحدثي نعمة وفقراء ومشرّدين ومعارضة عراقية سابقة ومهجّري حرب. حتى إنّه بات بمثابة سوريا صغيرة بمساحة تصل إلى750 متراً و150 طاولة من الحجر و600 كرسي!

ورغم أن المكان مرّ في مراحل ذهبية وصار ملتقى الأدباء، كما ارتاده ممثلو سوريا من نخبة الصف الأوّل حتى المجاميع والكومبارس، وصار برلماناً لمثقفيها وشعرائها وصحافيها، إلا أن نجم المقهى كان نادلها الأكبر سناً حكمت صقر أو «أبو الحكم» الذي طواه الموت قبل شهور بعد مشوار حياة مثيرة أمضى منها 47 سنة بدوام يومي مع المقهى. لم ينقطع فيها نهائياً عن العمل. كما أنه لم يقصد مكان عمله في شارع العابد، إلا مشياً على الأقدام حوالي 12 كلم يومياً. كان يحفظ عن ظهر قلب قهوة كلّ زبون ومكان جلوسه وسوية مزاجه وماذا يحب وكيف يمضي وقته! لم تثنه السنون الطويلة والعمر المديد عن مناغشة زبائنه: «قهوتك سادة ولا بلا سكّر سيدي» فيما كان متاحاً له هو دوناً عن غيره من نادلي الشام أن يتذمّر من الزبائن ويتنّدر على بعضهم إن أراد، ويغضب إذا طال وقت انتظاره حتى استقر الزبون على الطلب. فيحق لحكم ما لا يحق لغيره. من أيّام هاني الراهب وبرهان البخاري واسماعيل عرفي وعادل أبو شنب وشوقي بغدادي وخيري الذهبي وحتى الشاعر والمفكّر الكبير أدونيس إلى نجوم الدراما أمثال: رفيق السبيعي ودريد لحام وجمال سليمان وأيمن زيدان وأيمن رضا… كلّهم كانوا زبائنه وأصدقاءه ينتظرون رأيه بما يقدّمونه باهتمام عال، ويعدل مزاجهم ليس بقهوته المسكوبة في كأس، بل برأيه النقدي الذي يقوله بدون مواربة

ربما لم يعد للمقهى ذلك الأثر الثقافي الوافر الذي يتمتع فيه، لذا صارت دفعات ممن تبقى من فنانين ومثقفين تقصد أماكن أخرى، بعضهم راح باتجاه حي الشعلان والمقاهي الحديثة، وآخرون مع دفعة من الصحفيين الشباب وغيرهم قصدوا دمشق القديمة واستقرا في مقهى “مقهى زرياب”

لكن حتى هذا الآخر أعلن أوّل من أمس عن انتهاء رحلته. إذ أغلقت أبوابه ومضى عمّاله وروّاده مفترقين بدون موعد جديد!

بعد 13 عاماً استطاع أن يضمّ فيها آلاف القلوب ويحتضن الكثير من القصص، ويصوغ جبالاً من الذكريات وتفاصيل تخصّ المكان دوناً عن غيره، خاصة أنه يقع في مطرح مترف بالروحانيات وموغل في القدم!

إغلاق المكان أثار حملة شجن وحنين على السوشال ميديا ودوّن الكثير من رواده ذكرياتهم عنه. ولن يكون غريباً ما يحصل في الشام من إقفالات وانسحابات لمشاريع تجارية بنكهة ثقافية بسبب الغلاء المسعور والتردي الخدماتي والتهاوي الاقتصادي الذي يحكم قبضته على البلاد!

قد يعجبك ايضا