يوم انفجر دماغ عاصي الرحباني

15 أغسطس 2023
“نص خبر”- بيروت

لا يزال الإعلامي عبد الغني طليس يروي عبر صفحته على الفايسبوك، مقتطفات من كتابه “أسرار الكُنوز بين الرحباني وفيروز” الذي سيوقّعه رسمياً الشهير المقبل، ويتحدّث فيه عن أمورٍ خاصّة في حياة الرحابنة والفنانة الكبيرة، بعضها يعرفه الإعلام، وبعضه يروى للمرّة الأولى.
في منشور جديد، تحدّث طليس عن يوم انفجر فيه دماغ عاصي، لم يمت عاصي حينها، عاش بعد 14 عاماً، يروي طليس تفاصيل هذه الأعوام، حين بدأت قوى عاصي تخور، حتى رحيله عام 1986.

يوم سقط عاصي

عن يوم سقوط عاصي كتب طليس “كان يوم الثلاثاء في السادس والعشرين من عام ١٩٧٢ . عاصي ومنصور في مكتبهما في شارع بدارو . عاصي في غرفته مشغول البال ، منزعج ، يَصْفن في سقف الغرفة ، يُحدّق في الفراغ .. قال له منصور”باك شي؟ هات لشوف ضغطك” . مانَعَ عاصي . “بساعدك بشي ؟” سأله منصور فأجابه عاصي”لا “. شَعَر منصور أن عاصي يرغب في تَرْكِه قليلاً ، فتركه قائلاً “إذا احتجت شي ، اندَهْني” . تَرَكَه منصور وراح إلى غرفته .ثم سمعَه يطلب رقماً هاتفياً ويتحدّث . أعطى منصور أُذنَه لصوت عاصي ، علّه يعرف سبب كل هذا الانزعاج المُدَوّي . ارتفع صوت عاصي ، ثم انخفض ، ثمّ ارتفع تدريجياً حتى ملَأ المكتب ووصل واضحاً إلى مسامع منصور” .

وتابع طليس “قام منصور إلى غرفة عاصي ليعرف ما به ، دخَل فرآه في حالة من التوتر الشديد، وقد أقفل الخطّ الهاتفي . “شو باك يا عاصي .. ما فيي إتركَك هيك” قال له منصور ، فأغمض عاصي عينيه بصعوبة وقال “كأني دايخ”، اقترب منصور منه فوجده بالكاد قادراً على ضبط جسمه ، فهرع للإتصال بطبيب عاصي الخاص الذي أمَرَه بإحضاره فوراً إلى مستشفى رزق . رفع منصور عاصي عن المقعد وسار به من الطابق الأول نحو السيارة ، وعند الوصول إلى السيّارة كانت هِمّة عاصي قد تلاشت تقريباً . فتَح منصور له باب السيارة فأدخل عاصي رأسه فيها قبل قدمَيه ، فأدرك منصور أنها “جلطة”، وساعده في الدخول إلى السيّارة وانطلق به إلى مستشفى رزق . هناك ، فوراً إلى الطواريء ، والطبيب كان جاهزاً ، فأُجريَت الإسعافات الأولى والصّوَر فتبين أن عاصي قد أُصيب بجلطة في الدماغ . “وقَع الفأس في الرأس” قال منصور .”

كان يوم تقيل ويمكن ما خلَص لهلّق

يتابع طليس روايته لما حصل ذلك اليوم الذي ظلّت تفاصيله حاضرة في حياة عاصي حتى رحيله “طبعاً حضَرَت فيروز التي قيل أنها وصَفَت ذلك اليوم بقولها منذ سنوات ” كان يوم تقيل ويمكن ما خلَص لهلّق” ، وحضَر الياس الرحباني والعائلة وبدأت لجنة أطبّاء موسّعة تدرس الوضع بين أن يُسَفّر إلى فرنسا فوراً أو تُجرى له الجراحة في لبنان . أُرسِل في طلَب أحد أكبر جرّاحي فرنسا الذي ركب الطائرة على جناح السرعة ، إلى بيروت ، فمستشفى رزق حيث أَجرى لعاصي جراحة كانت خطرة جدّاً ، والجميع كانوا كأن على رؤوسهم الطير .. سبع ساعات .. وخرج الجرّاح الفرنسي مبشّراً بنجاح العملية مع كل تعقيداتها التي كانت محتملة ، مُعلناً أنه تم استئصال نقاط الدم في الدماغ ، والأمور تحت السيطرة ، والتجاوب بدأ معقولاً .. ومازحَ الموجودين لطَمْأنَتِهم بقوله : “دماغه كبير .. يبدو أنه فعلاً فنان كبير كما قلتم لي”” .

النهاية
ويشير طليس إلبى أنها كانت أياماً صعبة بعد ذلك في انتظار ما قد تؤدي إليه الجراحة من تداعيات على صحّة عاصي . وأسبوعاً وراء أسبوع ، فشَهراً وراء شَهر ، كان عاصي يتحسّن بشكل مطّرِد ، لكنّ النطقَ عنده تباطأَ جديّاً ، والذاكرة لم تعد منضبطة ، ومع ذلك كان هناك نوع من الإرتياح النسبي للتجاوب مع الأدوية والمعالجات التي كانت تُعيد له شيئاً فشيئاً نُطقَه شبه الواضح في المرحلة الأولى التي أعقبتها مرحلة أخرى أفضل طبعاً حين فاجأ عاصي فيروز ومنصور والياس الرحباني وأطبّاءه باستئناف تلحين بعض النصوص ، لكنّ الكتابة عنده كانت متعذّرة تماماً.
فقد تعطّل بحسب طليس شيء أساسيّ في جسم عاصي ، وتركيبته الذهنية ، بالجلطة الدماغية ، وهذا التعطّل رافَقه ، بنسَب متفاوتة بين سنة وأُخرى مع تقدّم العمر . عاش عاصي بعد الجلطة أربعة عشَر عاماً وكانت قدرتُه على الإنتاج الفني فيها ، تصعد وتهبط ، لكنّ وجوده في وسَط مُساعِد سرّع في استعادة نشاطه أعواماً عدّة ، واسمه ظلّ صامداً إلى جانب اسم فيروز ومنصور … إلى ما قبل سنة من رحيله ، إذ لم يَعُد التّواصُل بينه وبين الآخرين كما ينبغي ، والتزم بيته في “الرابية”. ويمكن القول إنّ السنوات الأخيرة من عمره القصير أمضاها بين المستشفى حيث المعالجات والجراحات والبيت .. إلى أن قضى نَحْبَه في ١٢ / حزيران/١٩٨٦ .

قد يعجبك ايضا