26 أغسطس 2023
يقول الممثل البريطاني كيت هارينغتون: إن كنت بحالة ذهنية مشوشة وقلت لصحافي ما: نعم لدي حبيبة! سيأتي صحافي آخر ويقترح حرفاً من اسمه، الصحفي الثالث، سيجلب لي حبوب منع حمل. أهذه صحافة حقاً؟
هذه المقاربة تقودنا إلى فكرة الصحافة التنبؤية والقائمة على الاحتمالات والتوقع وركوب موجة الخبر. وهو من التجاوزات الصحفية التي أصبحت اليوم ينظر لها على أنها رأي يصيب أم يخيب بعدما تجاوزتها فدائح أخرى أكبر وأنكى.
الخبر الكاذب من أخطر ما يجري في أروقة الصحافة، فهو التمساح الذي يلتهم المهنية على حدّ قول “بيل مول”، ويشرح كلينت ايستوود الخبر المزيف بطريقة لطيفة حينما يقول: أرأيت لو قال عنوان في صحيفة تابلويد: رأينا كلينت في مقهى باريس الشهير، وأنا لم أكن في باريس حينها، فهذا فعل عنيف وغير أخلاقي، بل لو ذكرت الصحافة مكان مشاهدتي دون إذنٍ مني، قد يعرضني ذلك للقتل. السبق الصحفي الأحمق، أخطر من سيارة دون فرامل”.
إن تأثير الصحافة والإعلام أكبر بكثير مما يعتقد البعض، وقد رأينا عبر التاريخ أنها تقيم حروباً وتقعد حروبا، وهو ما يستدعي التفكير مليّاً قبل نشر أي خبر بين أيدينا، والتحقّق الأكيد في المصادر والعناوين والأسماء والتواريخ. إذ تأكد علمياً خطورة وسائل الإعلام على العامة والناس بشكل يفوق التصور، يقول هربرت كروغمان: “عام 1970، قررت أن أدرس سريرياً الآثار الناجمة من مشاهدة التلفاز، ووجدت أنه يمتلك لغة فريدة في التأثير على فيزيولوجية الدماغ، فخلال 30 ثانية، تحولت موجات “بيتا” المهيمنة، اليقظة، الواعية، إلى موجات “ألفا” التي هيمنت، وتعطل نصف الدماغ الأيسر المسؤول عن المنطق، واشتغل نصف الدماغ الأيمن الذي يعالج الموضوعات عاطفياً ودون محاكمة، وهذا خطير جداً”.
الحديث عن الصحافات الناتئة أو ما يسميها المختصون “صحافة القمامة” حديث طويل ومتشعب ومربك، خاصةً اليوم مع انفتاح الإعلام وانتقاله من الأكاديمي المختص للعامة والناس بلمحة عين. ومع البحث عن “سكوبات” ومع صحافات العلاقات العامة التي ترفع فلانا وتسحق فلانا، وهو أمر يشبه الجريمة الطبية بإعطاء حقن سمٍ لمريض لا نحبه أو لدينا موقفاً ضده. يقول إريد شميدت: “إن التدافع الصحفي، والتكهنات الصحفية حول شركة ما تنهار أسهمها، قد يقضي على أي بارقة أمل في النجاة، إن الصحافة الباباراتزي والتربّص والملاحقة والصحافة الصفراء ترتكب جرائم أكبر بكثير من الجرائم الفردية التي تجري في الأزقة”.
وليس أدلّ على تأثير الصحافة على الناس من الحوادث التي تحدث للصحفيين والصحف، إن الهجمات على وسائل الإعلام تحدث بانتظام عبر تاريخنا. في نيويورك، نجا الناشر جيمس ريفنغتون في القرن الثامن عشر من التعرض للموت على أيدي الثوار الذين نهبوا منزله ومقر صحيفته. وكان الشعب قد رسم دمية مشابهة له عام 1775 وشنقوها وأحرقوها.
أيضاً ومنذ عامين، قام رجل في دالاس بتكساس، بمحاولة تحطيم شركة تابعة لفوكس بسيارته الشاحنة بسبب خبر نشر مع الكثير من المبالغة. يمكننا إضافة هذا الخبر إلى قائمة طويلة ومتزايدة للهجمات والتهديدات العنيفة على وسائل الإعلام.
وفي خبر طريف، اتصل رجل بصحيفة The Boston Globe وهدد “بإطلاق النار على الصحفيين لانخفاض جودة المواد المقدمة ورداءتها، ولكن على طرافته فهو يشير إلى خطورة العلاقة بين المتلقي والمرسل، وهو ما تترجمه حادثة أخرى حينما أطلق أحدهم النار على خمسة موظفين في مكتب Capital Gazette في أنابوليس بولاية ماريلاند بسبب توجهات الصحيفة المبالغة.
لا بد لنا من القول والتفهم بأن الصحافة هي من أخطر المهن حقاً، ولا بد لنا بالتالي من التنبّه إلى ما قد تحدثه زاوية بسيطة في صحيفة أو برنامج تلفزيوني في الناس. ونعرف ونتأكد أن الأهم من الخبر السبق، الخبر المكتمل والمحقق والمسؤول.