مرثية في رحيل “صوت الأرض” ومدماك الفن العراقي!

وسام كنعان- مكتب دمشق 

4 سبتمبر 2023

لأنّ الحنيّة الزائدة قسوة كان ياس خضر (1938 /2023) قاسياً بما فيه الكفاية على مستمعيه، بفرط حنيّة صوته وبحّته الآسرة! إذ كان يعرف كيف يتفنن في إذابة قلوبهم، وحرث وجدانهم، وإحالتهم فور سماعه إلى جبال متراكمة من الذكريات والحنين، ويفتح عليهم طاقة للوجع واستحضار الفقد والحزن والألم!

صوت يمكن أن يكون معادلاً موضوعياً للدموع حسب تعريف همنغواي لها:  «تلك المشاعر التي تفيض فتعجز اجسامنا عن استيعابها» وأغاني ياس خضر مثل المشاعر، التي لم يعد الجسد قادراً على تحمّلها، فتنفلت شلالاً من الحزن الأصيل.

لم يغنّ الفرح كما ينبغي لأنه عابراً وطارئاً في حياتنا كما أن العراق ارتبط تاريخياً بالحزن والوجع والنكبات، ولهذا ربما لن يكون مدهشا  تزامن موت ياس خضر بعد بساعات من رحيل مواطنه الشاعر الشهير كريم العراقي!

هكذا، وبعد أن لاحقته شائعات الموت انطفأ ليل الجمعة المغني العراقي المخضرم، كأنه أراد أن يريح من روّج عنه شائعات الموت، لدرجة أن  بعض المواقع الإلكترونية والصفحات الافتراضية الصفراء تداولت خلال  الفترات الماضية خبر موته لأكثر من مرة  ولدرجة وقع ضحّيتها عشرات المتابعين الذين نقلوا الخبر دون التحقق ولو بالحد الأدنى من صدقّيته!

في كلّ مرّة كان ابنه يخرج بفيديوهات مصوّرة ليكذب هذه الشائعات خاصة عندما تمادت لدرجة نشر أسباب الوفاة، وأخرى نشرت فيديوهات له من مقر علاجه وقالت بأنها آخر لحظات حياته. وفي كلّ مرة كان ابنه عهد يخرج لينفي تلك الشائعات  لكّن هذه المرّة ظهر على صفحته على الفيسبوك لينعيه فعلاً وهو ما فعلته «نقابة الفنانين العراقيين» علماً أن وضعه الصحي تراجع خلال الأيام الأخيرة، وبعد أن كان يرقد في مشفى «ابن سينا» المختص بأمراض القلب في العاصمة بغداد منذ حوالي الأسبوعين، تم نقله في الساعات الأخيرة من حياته إلى مشفى «مدينة الطب» ببغداد أيضاً، حيث تم وضعه على الفور في غرفة الإنعاش، لأنه يعاني صعوبة بالغة في التنفس من دون أجهزة طبية. ومن ثم فارق الحياة هناك!

ياس خضر «صوت الأرض» كان مدماكاً أساسياً في الفن العراقي!

أما عن مسيرته فتفيض المواقع الفنية والبحثية عن رحلة مترفة بالعطاء. اسمه الحقيقي ياس بن خضر بن علي القزويني الحسيني، بدأ مشواره من النجف مسقط رأسه، عندما كان مقرئاً يتلو القرآن فيأسر القلوب، ثم تحوّل إلى الفن وظل بارعاً بخطف الإعجاب والتأثر على مدار حياته.  لقاؤه الأول بالملحن محمد جواد أموري كان في نهاية الستينيات من القرن الماضي لينتجا معاً أغنية «الهدل» التي بثتها «إذاعة القوات المسلحة» آنذاك فحققت انتشاراً كبيراً لدرجة صار  اسم مغنّيها مطرب الهدل، ثم غنى بعدها «أبو زركه» التي لم تشتهر كسابقتها. وفي نهاية الستينات التقى خضر بالملحن كمال السيد الذي قدم له أغنية  «المكيَّر» من كلمات الشاعر زامل فتاح، وصارت هذه بمثابة جواز مروره بعدها دخل الراحل إلى إذاةع صوت الجماهير من خلال هذه الأغنية، ويكون أحد مطربيها. وبعدها التقى وفي بداية السبعينيات بالملحن الشاب آنذاك طالب القره غولي فلحن له «البنفسج» من كلمات الشاعر الكبير مظفّر النوّاب واستمر التعاون مع القرغولي إلى أن أتت أشهر أغانيه وهي  «مرينا بيكم حمد» لمفظفر النواب أيضاً ثم «إعزاز» لزامل سعيد فتاح. في حين شكّلت أغنية «تايبين» فارقة في مسيرته كونها  انتشرت سريعاً وصارت معروفة عند الجميع،  ليتحوّل مع التراكم في التجربة إلى نجم الغناء العراقي وسفيراً مرموقاً لبلاده!

هكذا، صار يعدّ «صوت الأرض» كما لقب  مدماك أساسي في الفن العراقي، قدّم خلال مشوار معطاء مئات الأغاني تعد بعضها من روائع الغناء العراقي الأصيل، لأنه كان يحرص على غناء الأغاني الرصينة، الأمر الذي جعل أغانيه تحظى بشهرة كبيرة داخل وخارج العراق، وهو حتى قبل دخوله إلى المشفى خلال أزمته الصحية الأخيرة كان يتهيأ لتسجيل 3 أغان جديدة.

لم تنكره المهرجانات و التكريمات إذ حصل على العديد من الجوائز منها تكريم مهرجان الدوحة السادس عام 2005، كما كرم من قبل الفنان العراقي كاظم الساهر.

وقد وصلت أصدائه إلى أستراليا وأمريكا و وأروبا التي كان يحي فيها حفلات للمغتربين العرب! فيما كان لسوريا حصّة وافرة منه خاصة عند محبي اللون العراقي وأهل الجزيرة السورية، لاسيما أنه عاش فترة طويلة في سوريا!

 

قد يعجبك ايضا