15 سبتمبر 2023
حاوره: هاني نديم
من فلسطين، يأتينا كل شيء حلوا.. نحن الإخوة المحرومين من برتقالها وعنبها ورائحتها، من فلسطين تستقبل منصتنا الشاعر والإعلامي المعروف سلطان القيسي في دردشة سريعة حول الحياة والبلاد والشعر.
سلطان القيسي، شاعر وصحافي ومقدم برامج فلسطيني/ أردني يعمل اليوم في قناة المملكة، صدر له العديد من المجموعات الشعرية وينشط ثقافياً في كل مكان بقصائدة وفكره الذي يحمل داخله البلاد في كل تفصيل. سألته:
- أبدأ من هدنة لمراقصة الملكة وأنت تستعير التاريخ والمفردات والقواميس لصالح البلاد والحب والتفاصيل الصغيرة.. بم تحدثني عن هذه التجربة وبم اختلفت عن أؤجل موتي؟ تحدث لي عن تعرجات الشعر والقصيدة لديك، ما الذي اختلف من البداية إلى هنا.
– هدنة لمراقصة الملكة، هو الخطوة الثانية، في مشروع بدأته في مجموعة “بائع النبي”، ويقوم هذا المشروع، على استعادة الماضي بأدوات حداثية، يمكن في قصائد هذا المشروع، أن تركب الملكة أليسار، مؤسسة قرطاج، بالمترو، عوض الرحلة الطويلة في البحر، يمكن أيضا للسيف أن يتحول إلى سيلفي ستيك، الفارق بين بائع النبي والهدنة، أن الأول تمتع بلغة أكثر حرصا على الجزالة، فيما امتحن الثاني التحلل من الجزالة لصالح الصورة أو الفكرة، ولا أقول إنه تحلل تماما، على العكس، فقد ظهرت فيه أحيانا لغة الأولين، ولكنها عمدت إلى تبسيط المشهد التاريخي المعقد وتجليته، أما أؤجل موتي، مجموعتي الأولى، فقد كانت مشحونة بالحماس، ومتشحة بتأثر بالغ بشاعر العصر محمود درويش، ولا يصح إلا أن يتأثر جيلنا بأب كبير كدرويش، لكنني عمدت إلى الهروب منه، ودفعت لقاء ذلك جهدا كبيرا، لتخليص قصيدتي من ظلاله، إذ كنت في بادئ الأمر كلمت تخلصت من تلك الظلال، أحسست القصيدة تفرغت من الشعر، لكنني شيئا فشيئا، استطعت الهروب، والنزول عن جبل الشاعر الكبير، إلى هضبة صغيرة في الطريق، أحاول أن أجعلها علامة فارقة، بجهد كبير، ليقول التابعون إنني حاولت.
ليس امتيازا أن تكون شاعرا فلسطينيا بالمعنى الكلاسيكي، إنما هو قدر
- بين فلسطين والشعر وبين الداخل والخارج، هل هو امتياز أن تكون شاعراً فلسطينيا؟ كيف ترى الأمر؟
– ليس امتيازا أن تكون شاعرا فلسطينيا بالمعنى الكلاسيكي، إنما هو قدر، أما بالمعنى العميق فالشاعر الفلسطيني، هو من يكتب لفلسطين وعنها، في مذهبي. خذ مثلا، أمجد ناصر الأردني الجميل، الذي ظل الناس يظنونه فلسطينيا، بسبب ما قدم لفلسطين، خصوصا أنه نشأ في مجلة الهدف، مجلة غسان كنفاني. أما انعكاسات فلسطين على شعراء أبنائها، فتتبدى في تنوع نصوصهم وفقا للمكان الذي قذفهم إليه الاحتلال أو قيدهم فيه، شعر الغزيين، يختلف عن شعر الشتات، وشعر الشتات يختلف عن شعر الداخل، وشعر الداخل يختلف عن شعر الضفة، وإن أتيت بقلم المحلل لوجدت شعر الشتات يتمايز وفقا لمحل المخيم، الذي تنتمي إليه عائلة الشاعر. مشكلة الشعر الفلسطيني هي الاحتلال، فلقد أسرت السياسة الشعر الفلسطيني، وحجبته عن الطبيعة، كم شاعرا كتب مثلا نصوصا في وصف فلسطين، في وصف حياتها البرية، والاشتباك مع نباتها وطقسها ومائها؟ قلة من انتبهوا لذلك، كزكريا محمد، ومحمد القيسي، وغسان زقطان، أما الأغلبية، فقد وقعوا في فخ الألم والحرمان.
- أيضاً، بين الإعلام والأدب.. كيف تصف العلاقة بينهما وكيف توازنها؟
– أحاول أن أحفظ ماء شعري أينما كنت، لا أسمح لعملي أن يجفف ذلك الماء، بل على العكس، أدلق الشعر في وجه الوظيفة، فتشع حسنا ورقة، بدأت عملي في التدريس، سأمته فهربت إلى الترجمة، ثم التحرير والكتابة، فوجدت نفسي في التلفزيون، عام ٢٠١٣، اتخذت قرارا بالاستعداد للعمل في الكتابة، حيث الحيز المريح، قلت إن عملت في ما أحب، فلن أتعب ولن أسأم، كتبت المقال، والإعلان، والنص السردي، والخبر الصحفي، ثم دسست ذلك كله في درج المكتب، ورحت أتحرر بالقصيدة، ثمة مقولة أحبها لباول فاليري: الكتابة النثرية بالنسبة إلى الشعر، تشبه المشي بالنسبة إلى الرقص. أحاول أن أكون شاعرا، حتى وأنا أقرأ نشرة الأخبار أمام الكاميرا، فالشعر لا غيره، من يجعلك مختلفا عن الآخرين، حتى لو كانت مهنتك تقوم على الأرقام لا على الكلمات.
- حدثني عن سلطان في حياته اليومية، الأصدقاء، المباهج والإحزان، الخيبات والمسرات..
– الحياة مراحل، هذه عبارة كلاسيكية، لكنها حقيقية جدا، قبل بضعة سنوات، كان يومي مزدحما بالأصدقاء، والرفقة على حسنها وسوئها، لكن دراجة الأيام انقلبت ربما بسبب السرعة الزائدة، أنا اليوم بيتوتي أكثر مما تتخيل، منشغل بالعمل والعائلة والكتابة، أكتب طوال الليل، وأحدف في ما يتبقى من النهار، الأصدقاء الحقيقيون يسافرون دائما يا هاني، ويتركونك وحيدا، لتتعلق بهم أكثر، ولتشتمهم فيضحكون، ويعودون في الصيف، في ما يشبه رد الشتيمة إلى صاحبها، محملين بالأشواق والانشغالات وضيق الوقت، لكن المباهج تبقى تلمع في الروح، كلما أظلمت الحياة.