مطربات لبنان انطلقن من مدرسة أسمهان – الحلقة 4

21 سبتمبر 2023

يوسف اليوسف – كاتب وباحث سوري

مع بداية القرن العشرين في المنطقة العربية المنهكة من الاحتلال العثماني و الهجمات الغربية، بدأ عباقرة الموسيقى العربية بالظهور عبر أعمال تتجلى بمستوى عالمي، كانت مصر حينها مقصد كل المواهب العربية لكونها أرضاً خصبة للفنون بأنواعها و لإهتمام المملكة المصرية بقطاع الفن وتأمين أحدث التقنيات والمعدات الفنية التي كان يتم استيرادها من أوروبا وتحديداً بريطانيا ( كمعدات التصوير السينمائي و معدات التسجيل الصوتي ).

وفي عشرينيات القرن الفائت شاءت ظروف الحرب في سوريا ضد الفرنسيين أن تنزح الطفلة آمال الأطرش مع أخَويها ووالدتهم إلى مصر الشقيقة، حيث عباقرة الموسيقى الذين كانوا يبحثون باستمرار عن الصوت الأمثل ليترجم مقطوعاتهم الثمينة، فمنذ ظهور المطربة ألمظ ثم منيرة المهدية ثم أم كلثوم و غيرهن، كان لكل منهن مكامن قوة ومكامن ضعف، لكن بظهور المعجزة الفنية أسمهان عرفنا الصوت العربي الكامل، فقدّم فطاحل الموسيقى في مصر أعمالهم الخالدة بصوت أسمهان و بأسلوب عالمي يتحدث عنه الغرب حتى الآن.

 

وكان كبار الفن والسياسة في مصر يصفون أسمهان بالصوت الأول و الأقدر، أما و بعد وفاتها و إسقاط الحكم الملكي في مصر و بداية سطوة أم كلثوم في عهد عبد الناصر بدأ دور الصحافة بمحاولات تشويه وسحق اسم اسمهان أثناء العقود الثمانية الماضية..

بعد رحيل أسمهان لم تعد الملائكة تغني، وفقد عرش الفن أميرته، وبدأت الأصوات تتصارع لاحتلال العرش الفارغ، عامٌ واحدٌ مضى على رحيل أسمهان لتظهر الشحرورة صباح في أول أفلامها في مصر ، ومنذ بداية مسيرتها الفنية كانت ترى أسمهان مثلاً أعلى، وقامت برثائها غناءً في فيلم بلبل أفندي عام 194‪7 أما فيروز التي سطعت في الخمسينيات و كانت عاشقة للمدرسة الأسمهانية، غنت في امتحان الإذاعة اللبنانية (موال يا ديرتي) لأسمهان و أغنية (يا زهرة في خيالي) التي غناها فريد الاطرش في رثاء أسمهان، و كثيراً ما يظهر في أغنيات فيروز تأثرها بمدرسة اسمهان و هذا ما سأوضحه في مقال مستقل

 

كما بدأت في الستينيات بعض الأقلام بالترويج بأن فيروز هي خليفة أسمهان! وكان فريد الأطرش رافضاً هذا الرأ ، كونه ينافي الحقيقة ففيروز صوت ساحر واستطاعت أن تبني عرشها الخاص لكنها تفتقد كثيراً من مكامن القوة التي امتلكتها أسمهان بصوتها.. وفي سبعينيات القرن الفائت بدأت برامج المواهب التلفزيونية في لبنان تجذب الأصوات الشابة وبدأ كل متسابق يسلك سكة أحد العمالقه قبل أن يجد لونه الخاص.

كانت المشتركه ماجده الرومي من المدرسة الأسمهانية و غنت في أول ظهور لها (ليالي الانس في فيينا) ورغم جمال صوت ماجدة وقوته لكنه لا يمكنه الوصول إلى سحر أداء أسمهان التعجيزي، ثم أشرقت في الثمانينيات الموهبة الشابة نجوى كرم و غنت في أول ظهور لها أيضاً (ليالي الانس في فيينا) و كثيرا ما تتغنى بحبها لأسمهان، ولكنها رسمت لنفسها مساراً خاصاً جعلها شمس الأغنية العربية، وهنا نلاحظ أن كبيرات الفن اللبناني من مختلف الأجيال انطلقن من المدرسة الأسمهانية، و تظهر حتى الآن مواهب عربية مهمة من هذه المدرسة، لكن عرش أسمهان بقي إلى اليوم بلا خِلافة.

قد يعجبك ايضا