23 سبتمبر 2023
انطلق موسم معارض الكتاب وانطلقت معه الاستعدادات والمخططات لتوقيع الكتب واللقاء بالكتّاب، حيث بدأت فعاليات معرض عمّان ومعرض بغداد بالتوازي، كما سينطلق الأسبوع المقبل معرض الرياض الدولي للكتاب الذي يعتبر من أكبر معارض الكتاب في العالم، وتتبعه معارض كثيرة في أرجاء الوطن العربي الكبير كلها ناجحة.
وفي كل عام ومنذ سنوات، نسمع ذات الموشح حول موت الكتاب الورقي، ونقرأ مرثيات مبكرة حول وداع رائحة الورق والتلويح لهيبة التغليف وملمس الكتاب وغيره من العلاقة الحميمة مع الكتب التي نفتقدها رقميا بكل تأكيد، إلا أن هذه “الجنازة” ما زالت مؤجلة ويبدو أنه سيطول انتظارها حسب الباحثين، إذ تشير الأرقام إلى ازدهار معارض الكتب أكثر من السابق بنسب كبيرة، ويتوجه الشباب اليوم رغم غلاء سعر الكتاب ومجانية الـPDF نحو الورق والغلاف الجميل القديم إياه.. ما السر في ذلك؟
حتى اليوم، ما زال الكتاب “الموضوع المطبوع” هو مسألة غير قابلة للنقاش أكاديمياً، وما زالت “الوثائق” لا بد لها من مرجع كلاسيكي. وهذا ينسحب على أوراق المحاكم والجامعات والمناهج التعليمية والشرطة وغيره من “الورق” الحكومي والرسمي. وإلى جانب هذا، فإن الحلول الرقمية التي تلتصق بالكتاب الورقي ما زالت أبطأ من غيرها بكثير وكأنها “تخجل” من أن تمس قدسية التاريخ الطويل للكتاب مع البشرية، بل ولأن الرقمنة دون خجل ولا تهذيب لنقل: إن البشر يحاولون أن يجدوا حلولاً مدمجة بين الرقمنة والورق، وهذا ما نراه اليوم في معارض الكتب، إذ بدأت الحلول الرقمية والفيديوهات والألعاب وغيره تصطف جنباً إلى جنب مع دور النشر القديمة التي تفوح منها رائحة الورق.
تتساءل الكاتبة والصحافية بيث غرينفليد: كيف سيكون حال الرواية لو كتبت ونشرت دون المرور بالورق، ما زال الأمر مستهجنا ومستحيلاً، إنها عمل أدبي رفيع لا بد من أن يمر بمسار الروايات القديمة العظيمة. لا أظن أن العالم مستعد للتحول إلى الديجيتال.
حتى اليوم ما زالت الكتب تلعب دوراً كبيراً في كونها “وثيقة” تزودنا “بالمعرفة” وتلك المعرفة لسبب غامض تصبح محل شكّ لو كانت “سائلة” أو على غيمة سحابية في الانترنت.
هذا مفصلُ قد يفسّر لنا استمرار مهمة النشر والتوزيع بعض الشيء، فالكتاب هو صناعة، وتلك الصناعة لها خط إنتاج يمر بالناشرين وتجار الكتب والوكلاء والموزعين وتجار التجزئة والقراء، ولها مسارات عديدة متداخلة بين الجامعات والمدارس والطلاب والأدباء والجماهير الواسعة التي ما زالت تعتبر الكتاب جزءاً أصيلاً من ثقافتها و”اللايف ستايل” الخاص بها.
علينا أن نطمئن كمحبين للكتب على صناعة الكتاب ومعارض الكتب، فالنشر هو عمل تجاري، وبالتالي فهو يحتضن قيم المنافسة والمبيعات والأرباح، الأمر الذي يحتّم ويفرض اشتراطات التطور في جيناته، لديه من القيم السوقية التي تدفع باتجاه الربح ما قد لا يتوافق مع قيم الكتّاب ولكنه يتوافق مع قيم البقاء وهذا جيد! حيث يهتم الناشرون بالمحاسبة والتسويق والإعلان والشحن والتوزيع ومراقبة المخزون كما يهتمون بمنتجاتهم الإبداعية والفكرية والفنية والثقافية إلى جانب اهتمامهم بالمؤلفين والمبدعين والتجار.
وتعمل معارض الكتب اليوم بمثابة مسبار فحص لاتجاهات الثقافة، ومدخل للناشرين لعرض كتبهم الأكثر مبيعاً إلى جانب أنها “مهرجان” يلتقي فيه القراء بكتّابهم المفضلين.
جون كول، مدير مركز الكتاب بمكتبة الكونجرس، يقول: كيف يمكن لنا أن نقنع محبي الأدب بترك الورق؟ أعتقد أن هذا أمرا بعيدا. في معرض شنغهاي للكتاب وهو من أكبر معارض العالم حضوراً وزواراً ومساحةً، والمعرض الذي يبيع بحوالي 10 مليون دولار كل أسبوع، علّق مو يان، أحد أكبر الكتاب في اللغة الصينية اليوم: “من العجيب بمكان أن زوار معرض شنغهاي هم من الأجداد والأحفاد، الأجداد لأنهم يؤمنون بتكريم القدامى من المؤلفين الكبار بشراء كتبهم، والأحفاد لأنهم يعاملون الكتاب وكأنه معجزة معرفية راسخة عكس كل شيء سهل اليوم”.
في العموم ما زالت الكتب تحظى بدعم رسمي من الجامعات والأكاديميات والحكومات لأنها مؤشر ودلالة على ثقافة البلد وإنتاجه الفكري، وفي هذا العارض، أختتم بإحصائيات شملت أكثر عدد كتب صدرت في عام واحد، ورغم أن هنالك تباين في الأعوام إلا أن تلك الإحصائية تشير إلى حجم المنتج الفكري الذي تصدّره كل أمة إلى كوكبنا.
في المرتبة الأولى: الصين التي أصدرت في عام 2013 أكثر من 444000 عنوان جديد، وفي نفس العام أصدرت الولايات المتحدة 304,912 عنوانًا جديدًا تبعتها بريطانيا بحوالي 186,000 كتاب عام 2020
في المرتبة الرابعة جاءت اليابان عام 2017 بعدد 139,078 من العناوين الجديدة، ولك أن تتخيل أن أندونيسيا جاءت بالمركز الخامس في عدد العناوين المضافة إلى مكتبة العالم بـ 135,081 كتاباُ جديداً. تلتها إيطاليا بـ125,948 عام 2020.
روسيا في المركز السابع بـ115,171 ثم فرنسا 106,799 عنواناً جديداً، وإيران بـ102,691 ووراءها ألمانيا بـ 93,600 عنوان جديد.
بالأرقام أعلاه تقاس الأمم، بمنتجها الفكري إلى جانب منتجها الاقتصادي والصناعي والخدمي. لهذا ستستمر معارض الكتب إلى الأبد..