26 سبتمبر 2023
“نص خبر”-متابعة
صدر كتاب “إيلون ماسك بقلم والتر آيزاكسن”، وهو سيرة ذاتية لأغنى رجل في العالم، كتبها الصحافي الأميركي الذي نشر سيراً ذاتية عن ستيف جوبز، وألبرت أينشتاين، وتوجزها “بي بي سي” في مقالة مطولة عن الملياردير المثير للجدل.
وعلى الرغم من صدور سير ذاتية عدة لماسك في السابق، تأتي أهمية الكتاب من المكانة التي احتلها رجل الأعمال في السنوات القليلة الماضية وإثارته الجدل في محطات عدة، لا سيما بعد شرائه شركة “تويتر” عام 2022.
وتقدّر قيمة شركات ماسك حالياً بأكثر من تريليون دولار، ويبني المهندسون العاملون فيها، من بين أمور أخرى، سفن فضاء قابلة لإعادة الاستخدام، وروبوتاً بشرياً، وهايبرلوب للنقل السريع، وشرائح إلكترونية تُزرع في أدمغة البشر.
كما تعمل إحدى شركاته، نيورالينك، في صناعة ناشئة تُعرف بـ”الواجهة الحاسوبية للدماغ”، وهي عبارة عن نظام يفك شفرة إشارات الدماغ ويترجمها إلى أوامر للأجهزة الخارجية، فيما تسعى شركته الأخرى، سبيس إكس، إلى جعل المجتمع البشري “متعدد الكواكب”.
من هو والتر آيزاكسون؟
شغل والتر آيزاكسون البالغ من العمر 71 عاماً في السابق منصب الرئيس التنفيذي لشبكة “سي إن إن”، وعمل أيضاً لفترة محرراً لمجلة “تايم” الأميركية.
وعن كتابته السيرة الذاتية لإيلون ماسك، يقول آيزاكسون إن هذا العمل “لا يشبه أي شيء قمت به من قبل”.
ويسرد في مقابلة مع صحيفة “الفايننشال تايمز” حول الكتاب، أنه طلب من ماسك أن يظل بجانبه لمدة عامين والتحدث إليه كل يوم تقريباً، الأمر الذي وافق عليه ماسك سامحاً له حضور اجتماعات العمل، غير آبه بسرّية تلك اللقاءات، كما يؤكد الصحافي الأميركي الذي ذكر أيضاً أنه حضر المناسبات العائلية، مثل عشاء ماسك مع أطفاله.

ويقول إن مشروع كتابة سيرة ماسك الذاتية أثار لديه أسئلة كبيرة مثل: هل يجب أن تكون “نصف مجنون” لتكون مبتكراً أو عبقرياً؟ وكيف يمكنك منع عقل لامع من الخروج عن السيطرة؟
وعن تقلبات ماسك، قال آيزاكسون إن ذلك يعود بشكل أساسي إلى “ألم طفولته إذ نشأ وسط العنف في جنوب أفريقيا، وكانت علاقته صعبة مع والده. هذه العلاقة جعلته يشعر وكأنه غريب وتطارده الحاجة إلى إثبات نفسه” بشكل دائم.
التهميش
لكن الصحافي يرى أن هناك عاملاً مشتركاً بين الشخصيات التي كتب سيرها الذاتية، وهو أن جميع هؤلاء كان يطاردهم الشعور بالتهميش، مثل آينشتاين اليهودي في ألمانيا أوائل القرن الشعرين، والعالمة الأميركية جنيفر دودنا، المرأة التي كانت تعمل في ميدان العلوم الذكوري.
وكان آيزاكسون قد أصدر عام 2011 كتاباً تضمن السيرة الذاتية للمؤسس المشارك لشركة أبل، ستيف جوبز. ونُشر الكتاب بعد حوالي أسبوعين فقط من وفاة جوبز.
وفيما كان جوبز على استعداد للتحدث عن حياته في حينه “لأنه كان يكافح مرض السرطان ويهتم للإرث الذي سيتركه”، تساءل مقال الفايننشال تايمز عن السبب الذي يدفع ماسك في المقابل إلى التحدث عن حياته الآن وهو لا يزال في خمسينياته وبصحة جيدة.
يجيب آيزاكسون بالقول إن ماسك “يحب التاريخ ولديه غرور كبير بما يكفي لدرجة أنه يفكر في نفسه كشخصية تاريخية”.
ما تأثير طفولة ماسك الصعبة؟
يصوّر والتر آيزاكسن إيلون ماسك على أنه شخصية معقّدة ومعذبة، تفتقد للقدرة على التواصل على المستوى الإنساني مع الأشخاص من حوله، لا سيما زوجاته وأطفاله، ومن يعملون في شركاته.
ويقول إن ماسك “لم يكن لديه المستقبِلات العاطفية التي تنتج اللطف والدفء اليومي والرغبة في أن تكون محبوباً”.
ويبيّن كيف أن علاقته بوالده، إيرول، مثّلت مصدر صدمة لا تزال ترافقه، إذ يصف الأب بأنه شخص استغلالي، عاطفياً وجسدياً.
والده
أمضى ماسك سنوات من دون اللقاء بوالده، ثم وافق على رؤيته عام 2016. وعن ذلك اللقاء، ينقل عن أحد أصدقاء ماسك في الكتاب: “كانت تلك المرة الوحيدة التي رأيت فيها يدَي إيلون ترتجفان”. وكتب آيزاكسن أن “ثمة أشخاصاً بعينهم، يحتلون زاوية شيطانية في دماغ ماسك، ويثيرون غضباً بارداً لديه. والده هو الأول بينهم”.

وأشار إلى أن ماسك تعرض للضرب في كثير من الأحيان، ووبخه والده كثيراً، ولكن عندما كان في العاشرة من عمره، بعد سنوات قليلة من طلاق والديه، اختار العيش معه.
ويؤمن والد ماسك البعيد عنه في الوقت الحالي، بنظريات المؤامرة، ويصف الرئيس الأميركي جو بايدن بـ”البيدوفيلي”، وقد أعلن مرةً أن “الشيء الوحيد الذي نحن هنا من أجله هو التكاثر”.
كذلك، كتب في رسالة إلكترونية أرسلها أخيراً لابنه عبارة عنصرية تجاه الأفارقة، إذ قال “مع عدم وجود البيض هنا، سيعود السود إلى الأشجار”.
وكان جد إيلون ماسك من طرف والدته، مناهضاً بشدة للشيوعية، وكان زعيماً لحركة شبه فاشية، هي الحركة التكنوقراطية المناهضة للديمقراطية، في كندا، خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي.
وانتقل في عام 1950 إلى جنوب أفريقيا حيث كان إعلان الفصل العنصري قد صدر قبل سنتين، وسرعان ما جنّد النظام المستوطنين البيض من أمريكا الشمالية، واعداً البعض بأنهم يستطيعون العيش مثل الأمراء، حسبما أشارت مجلة “نيويوركر” في ملاحظاتها على كتاب آيزاكسون.
والدته ملكة جمال
أما والدة ماسك، ماي هالدمان، فقد كانت من بين المتأهلات للتصفيات النهائية في مسابقة ملكة جمال جنوب أفريقيا.
وفي عام 2019، نشرت مذكرات بعنوان “امرأة تضع خطة: نصيحة لحياة من المغامرة والجمال والنجاح”. وأشارت “نيويوركر” إلى أنه على الرغم من كتابتها عن نشأتها في جنوب أفريقيا في الخمسينيات والستينيات، فهي لم تذكر الفصل العنصري مرة واحدة في الكتاب.

كذلك، فإن آيزاكسون بالكاد يذكر الفصل العنصري في كتابه، فيما تحدث عن الإهانات التي كان ينهال بها زملاء المدرسة على إيلون.
هل اشترى تويتر انتقاماً من ابنته؟
اشترى ماسك تويتر في أكتوبر 2022 مقابل 44 مليار دولار، بعد عرض مفاجئ للشركة، ثم تردد واضح في متابعة الصفقة.
وبعد الاستحواذ على الشركة، مشّط ماسك ومساعدوه الاتصالات الداخلية لموظفيها ومنشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بحثاً عن علامات عدم الولاء، كما كتب آيزاكسون.
وبحث الموالون لماسك داخل تويتر، في أرشيف تطبيق سلاك المخصص للتواصل بين الموظفين، عن كلمات رئيسية بما في ذلك “إيلون”، وطردوا العشرات ممن أدلوا بتعليقات ساخرة حول المالك الجديد.
خلفيةً للصفقة الشهيرة
في العام 2022، بلغت إحدى بنات ماسك التوأم من زوجته جوستين ويلسون، 18 عاماً.
وبحسب الكتاب، قالت الفتاة المولودة كذكر اسمه كزافييه والتي أصبحت ماركسية على ما يبدو: “أنا أكرهك وأكره كل ما تمثله”.
وفي العام نفسه، قدمت ابنته التماساً إلى محكمة كاليفورنيا لتغيير اسمها، إلى فيفيان جينا ويلسون، مستشهدة، كسبب للالتماس، بتغيير “الهوية الجنسية وحقيقة أنني لم أعد أعيش مع والدي البيولوجي أو أرغب في أن أكون مرتبطة به بأي طريقة أو شكل”. وهي ترفض حالياً رؤيته.
في هذا السياق، أخبر ماسك آيزاكسون أنه يضع بعض اللوم في ذلك على مدرستها الثانوية التقدمية في لوس أنجلوس. وفيما عبّر ماسك عن أسفه بشأن “فيروس العقل اليقظ” (Woke mind virus) في إشارةٍ إلى الأشخاص الصارمين في دفاعهم عن العدالة الاجتماعية، قرر شراء تويتر، قائلاً: “كل ما في الأمر أنني لا أستطيع الجلوس من دون فعل شيء”.
وأعطى ماسك آيزاكسون تفسيراً مختلفاً لشراء الشركة: “ما لم يوضع حدّ لفيروس العقل اليقظ الذي هو في الأساس مناهض للعلم، ومضاد للجدارة، ومعادٍ للإنسان بشكل عام، فلن تصبح الحضارة أبداً متعددة الكواكب”.
وعن تويتر أضاف ماسك: “في البداية، اعتقدت أنه لا يتناسب مع مهامي الكبيرة الأساسية، لكنني توصلت إلى الاعتقاد بأنه يمكن أن يكون جزءاً من مهمة الحفاظ على الحضارة، وشراء المزيد من الوقت حتى يصبح مجتمعنا متعدد الكواكب”.

يخبر آيزاكسون محدثه في هذا الإطار عن شخصية ماسك وتقلباته المزاجية الحادة. يقول: “لقد قال لي إنه يعتقد أنه ثنائي القطب، لكن لم يتم تشخيصه مطلقاً”.
وحظي الكتاب الصادر عن دار “سايمون أند شوستر للنشر”، باهتمام بالغ ودعاية واسعة قبل صدوره، كونه يسرد تفاصيل جديدة من حياة أحد المتحكمين بمفاصل حاضر البشرية ومستقبلها.
أب لعشرة اطفال
ويرى ماسك وهو أب لعشرة أطفال أن “كمية الذكاء البشري كانت تتراجع لأن الناس لم يكن لديهم ما يكفي من الأطفال. وفي الوقت نفسه، كان مقدار ذكاء الكمبيوتر يرتفع بشكل كبير”.
يعتقد ماسك، بحسب الكتاب، أنه “في مرحلة ما، ستتضاءل القوة العقلية البيولوجية أمام القوة العقلية الرقمية”.
ولذلك، هو يرى أن الحلّ الوحيد للوقوف في وجه القوة الرقمية التي يمثلها الذكاء الاصطناعي تكمن في إنجاب المزيد من الأطفال ومحاربة مسألة تناقص عدد السكّان.
أمبر هيرد
كشف الكتاب الجديد الذي يتحدث عن السيرة الذاتية للملياردير الأميركي إيلون ماسك، أسرارا كثيرة عن حياة الرجل “الغريب”. ولعل أبرز ما جاء في الكتاب توثيق العلاقة السامة التي مرّ بها الملياردير بالممثلة أمبر هيرد التي كانت الأكثر ضررا له، حتى إنها كانت أضرّ من علاقة ماسك المشحونة بوالده. كاتب الكتاب والتر إيزاكسون وثق المعارك العنيفة والوحشية في علاقة الثنائي، التي وصفها بـ “الدوامة المظلمة”، وأنها كانت العلاقة الأكثر إيلاماً التي مر بها مؤسس تيسلا على الإطلاق.
