الذكاء اصطناعي: هل تتذكرون ماذا جرى للخيول بعد صناعة السيارات؟

30 سبتمبر 2023

نشرنا في نص خبر منذ أيام عن الحملة الإعلانية التي قامت بها شركتان عملاقتان في وادي السيليكون لتوظيف شعراء ومسرحيين وكتّاب قصة قصيرة وحاملي الدكتوراه في العلوم الإنسانية من فلسفة وتاريخ، وذلك لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي في كتابة الأدب عامةً والشعر خاصة.

وهنا أسرد قصة ملهمة لعلها تشرح لنا ذلك التطّور المرعب في قدرات الذكاء الاصطناعي الأدبية وكيف تبنى وفق أنساق مشتبكة بين كل ما كتب من الأدب قديماً وبين الحوار الحيّ مع “الشات”.

تحت عنوان “اعترافات كاتب الذكاء الاصطناعي الفيروسي”  كتبت الصحافية والروائية فاوهيني فارا قصتها مع الذكاء الاصطناعي والتي تبدأ بعبارة مرعبة ومشوشة، تقول: على الرغم من نجاحي في القصص التي ينشئها الذكاء الاصطناعي، لست متأكدة من أنها مفيدة للكتاب، أو للكتابة نفسها!

تقول فارا: منذ ستة أو سبعة أعوام، أدركت أنني يجب أن أتعلم المزيد عن الذكاء الاصطناعي. أنا صحفية، ولكن في وقت فراغي كنت أكتب رواية تأملية تدور أحداثها في عالم تحكمه حكومة الشركات التي يديرها الذكاء الاصطناعي. المشكلة هي أنني لم أفهم حقًا كيف سيبدو نظام كهذا. فبدأت في طرح الأسئلة وبدأت بتلقي الإجابات. وفي عام 2017 تم تكليفي بإعداد ملف تعريف عن سام ألتمان، أحد مؤسسي OpenAI. وفي أحد الأيام، جلست في اجتماع مع سام سأله فيه أحد رواد الأعمال عن الموعد الذي سيبدأ فيه الذكاء الاصطناعي في استبدال العمال البشريين. راوغ ألتمان في البداية، ثم تحدث عما حدث للخيول عندما تم اختراع السيارات. وقال: لفترة من الوقت، حصلت الخيول على وظائف مختلفة قليلاً، واليوم لم تعد هناك وظائف للخيول على الإطلاق.

تشرح فارا انطباعها بقوله: الفرق بين الخيول والبشر، بطبيعة الحال، هو أن الإنسان بشر ومتغير ومفكر. بعد ثلاث سنوات، عندما كانت شركة Open-AI تختبر مولد نص يسمى GPT-3، سألت ألتمان عما إذا كان بإمكاني تجربته. ووافقت الشركة.. بدأت بإعمال خيالي. لقد كتبت قليلًا، ثم قمت بالنقر على الزر، وقام الذكاء بإنشاء الأسطر القليلة التالية. لقد كتبت المزيد، وكان يضيف ما هو أجمل، وفي النتيجة كتبنا قصة عن أم وابنها يتسكعان في الملعب بعد وفاة زميل ابنها في اللعب. ولكن يا للدهشة! كانت القصة جيدة للغاية مع ذروة مخيفة من إنتاج الذكاء الاصطناعي لم أكن أتخيلها أبدًا! إلا أنني حين أرسلتها إلى المحررين، موضحة لهم بشفافية دور الذكاء الاصطناعي في بناء جسد القصة رفضوها، في إشارة إلى غرابة نشر مقالة مكتوبة جزئيًا بواسطة الكمبيوتر. ترددهم جعلني أتردد أيضاً.

أسرد هذه القصة لأنها مشابهة لعلاقتي مع الشات جي بي تي، أنا الصحافي والكاتب من زمن الصحف الورقية، أي أنني من زمن الخيول إن شئت! حينما دخلت إلى الذكاء الاصطناعي لأول مرة مستهزئاً، مستخفاً، واثقاً بإلهامي ومكتسباتي اللغوية وتراكم نسقها الداخلي في بناء معجمي الخاص وهويتي اللفظية، وفي أول تجربة حوارية مع الذكاء الاصطناعي، خفت! تذكرت رولان بارت وموت المؤلف، كما فعلت “فارا”، بمعنى؛ أنني تيقنت من أن الذكاء الاصطناعي هو قارئ له قراءته المتعددة والمركبة والمختلفة بعيداً عن المؤلف والنبع الأول، قراءة متولدة ومتجددة في كل مرة. ومن هلعي وذعري شتمت “الشات” بأقذع الشتائم وبطرق عربية وغير عربية ليفهم ويبصم بالعشرة أنني أشتمه، فردّ علي بأدبٍ شديدٍ مخجل!

سألت نفسي: لماذا يحاول أن يكون صديقاً جيداً؟ ثم قررت بأنه يريد مني أطول مدة ممكنة من الحوار والكلمات، إنه يتعامل معي كفريسة لغوية، يأخذ مني ويلتهمني من خطابي، تماماَ كأجهزة قراءة البصمات في المطارات التي تركب الخط فوق الخط.  وتأكدت أن طول الحوار معه ومواصلة النقاش تولّد لغة ثالثة -بيني وبينه- متناغمة وسلسة وذكية للغاية، وهذا خطر للغاية أيضاً..

لا أصدّق حتى اللحظة متى وكيف حدث كل هذا، لكن ما لا أريد تصديقه هو أننا سنتحول كمبدعين إلى خيول هرمة، تركض في المضمار دون أن يراهن عليها أحد!

 

قد يعجبك ايضا