الغريب .. العمل “الغريب”

5 اكتوبر 2023
 جوان ملا- دمشق

تصوير دنيا صبح

يطالع المشاهدون فجأة بوستر لمسلسل جديد تم تصويره منذ عام في بيروت يحمل صورة فنانَين مهمَّين أولهما بسام كوسا والثانية فرح بسيسو، والمتابع العتيد العتيق يعرف تماماً هذين الاسمين ماذا قد يعنيان، فالأول هو فنان قدير اشتاق له الناس في عمل اجتماعي، لاسيما بعد خروج مسلسلَيه السوريَّين “كانون” و “مال القبان” من سباق رمضان الماضي، وتجربة غير ذات أهمية في مسلسل”سر” استمرت لموسمين لم يحققا أثراً ذا قيمة، لذا كان التعويل على الغريب لا سيما بعد أن دخل العمل في حلقاته الأولى في تصوير عائلة سورية بحميمية مطلقة اشتاق لها المتابعون، أما الوجه الثاني فهو الفنانة فرح بسيسو التي غابت عن الشاشة منذ مدة طويلة دون أدوار قوية تذكر، رغم أنها فنانة محبوبة لها جمهورها وهي إضافة لكل عمل تكون فيه لكن هل اجتماع الأسماء الكبيرة في عمل واحد يكفي لتقديم حكاية مثلى؟.

بداية على عجَل

بدأ العمل كما أسلفنا بتوجيه الأنظار نحو عائلة القاضي النزيه يوسف التي تعيش في دمشق بسلام ووئام، يدافع رب هذه الأسرة عن الحق في كل قضية يستلم زمامها، في زمن باتت فيه الرشاوى والباطل القاعدة والنزاهة هي الاستثناء، تمر علينا لحظات نشعر في البداية أننا سنشاهد عملاً سورياً نظيفاً هادئاً لنُفاجأ بعد حلقتين بجريمة قتل بالخطأ يرتكبها الابن الأصغر رامي الذي يلعب دوره آدم الشامي، وتنقلب بعدها حياة العائلة رأساً على عقب، ليغادروا من دمشق إلى بيروت عبر طريق التهريب ويبدؤوا حياةً جديدة هناك بحماية شخص مقرب من أصدقاء يوسف وهو فاروق، وذلك لحماية الابن من السَّجن لا سيما أن المقتول هو ابن أحد رجال الأعمال الكبار والذي سيسعى للانتقام من قاتل ابنه الوحيد رغم محاولات يوسف بتخليص ابنه قانونياً بأقل الخسائر.
الجريمة حدثت على عجل ولم يتم التمهيد لها بشكل واسع كي يتفاعل المشاهدون مع الحدث، لكن ذلك قد يُبَرَّر قليلاً بحكم أن العمل قصير، ولا وقت كافٍ للتمهيد أكثر، إلا أن الحكاية بدت غير مشبعة كلياً لهذا الانتقال السريع، فعند الانتقال للبنان، تجد العائلة نفسها محرَّكة كالروبوت، لتنفذ أوامر رجل لبناني هو خليل يلعب دوره سعيد سرحان، وهو شاب “أزعر” غير مريح في التعامل يكون على علاقة ندية بجاره أبي طوني الفران بسبب قصة سرقة قديمة بينه وبين والده الراحل وعلاقة حب مع إحدى الشابات في الحارة، وتتشعب العلاقات بشكل سريع بين القاضي يوسف والفران أبو طوني الذي أصبح صديقه المقرب، وأخت زوجته الراحلة التي تعمل معه في الفرن.

أداء متفاوت ووجوه نقية

ما يميز هذا العمل بشكل واضح أن المخرجة صوفي بطرس في تجربتها الدرامية الأولى بعالم المسلسلات اعتمدت على وجوه صافية نقية لم يقترب منها بعد البوتوكس أو الفيلر، فكانت فرح بسيسو أخاذة في شكلها وأدائها الهادئ، أيضاً سلمى شلبي التي لعبت دورها باحترافية دون ابتذال، ومازالت صاحبة وجه نقي لا تلاعب فيه، لكن الشخصية ليس لديها خط خاص أو حكاية فعالة، بل هي تمشي على الحياد من بداية العمل حتى نهايته.
الوجوه الطبيعية أيضاً موجودة لدى ساندي نحاس، يارا زخور، وجوي حلاق، وهي وجوه اشتاقت لها الدراما فعلاً بعد أن امتلأت الشاشة بوجوه منفوخة مصطنعة لا تقدر على أن تتحدث أو تعبّر.
الأداء بدا جيداً لدى الغالبية رغم التفاوت وهذا طبيعي، لكن يؤَطَّر سعيد سرحان بدور الشرير للمرة الخامسة وأكثر ربما وهذه مشكلة لاعتماده على شخصيات بقوالب نمطية وأدوات مكررة، وتأتي بعض المشاهد غير الموفقة تماماً لآدم الشامي وساندي نحاس رغم أدائهما الجيد في بعض المشاهد، ويعتبر هذا العمل دفعة لهما للأمام ليتعرف الناس عليهما أكثر ويبدأا بصقل أدواتهما بالتدريج، أما بالنسبة للقدير جمال قبش فهو يعيد هذه الأدوار مراراً ولا جديد يذكر.

أحداث مركبة وردود فعل باردة

وصل العمل لربعه الأول لتبدأ القصص تتحرك بطريقة غير منطقية، فعدا عن الورطات التي علق بها يوسف وعائلته ليجد نفسه بين أصحاب العصابات المستلمين للمناصب في قصص تتكرر للمرة العاشرة وأكثر في أعمال المنصات مؤخراً والتي هي مليئة بأكشن فارغ وتحوِّل بيروت لمدينة شيكاغو مفترضة، تأتي قصص الحب التي عاشاها بطلا القصة “رامي وعلا” بطريقة “ولّادية”، فهذا الحب الجارف السريع الذي أصبح متكرراً في عدة أعمال لا ندري من أين ينبع بهذا الشكل المفاجئ من النظرات الأولى بحيث يغرق الشخص بحب الآخر لمجرد مرور عابر أو نظرة خاطفة، خصوصاً أن الجيل الجديد ليس بهذا الوارد مع وجود السوشال ميديا، فالعلاقات العابرة هي الأكثر انتشاراً لدى هذا الجيل إذا أردنا أن نكون منطقيين أكثر، أما أن تتوجه الحكاية برمتها نحو قصص الحب السخيفة تلك لا سيما حين عرض رامي الزواج على ابنة الجيران حين وجدهما أخوها في منزله، وفوق هذا يساعده أهله على هذا الفعل ويذهبون لخطبتها فيعني ذلك كتابة أحداث لا منطقية ومفتعلة لإحداث قصة غير مشبعة التفاصيل أيضاً وتلهث من الجري سريعاً نحو اللا منطق.


أما ردود الفعل الباردة فقد تجلت في كثير من المشاهد، حتى لدى القدير بسام كوسا، فمثلاً لم نشعر أن العائلة مختطفة أو تبدو عليهم ملامح الهلع حين حبسهم البيروتي، كذلك حين اختُطفت علا وحين قرر رامي الهروب في البحر ثم العودة، وأيضاً حين واجه فاروق يوسف في النهاية، حيث لم تظهر تعابير مؤثرة أو ماستر تتواءم مع عمل أكشن من المفترض أن يكون مليئاً بالأحداث ، أما طريقة تنفيذ عملية القتل لفاروق مشهدياً لم تكن جيدة وكذلك حين قتلت علا خليل في مشهد سوريالي لم يَبدُ كيف حصل، ليظهر العمل في مشاهده البسيطة الحميمية لطيفاً لكنه لم يكن متماسكاً في مشاهد الأكشن، ما يعني أن الإخراج كان متواضعاً يحتاج إلى صقل أكبر، في حين لو بقي المسلسل بسردية مختلفة بسيطة كتلك التي قُدِّمَت في فيلم محبس للمخرجة ذاتها “وهذا غير ممكن طبعاً لاختلاف النوعين” لكان العمل أفضل بكثير، ما يدل على أن صوفي بطرس قد تكون أبرع في الأعمال “الهادئة” التي تقدم قصة لطيفة بمفردات بسيطة لا معقدة ومليئة بالصراع كما الغريب.


أما القصة فدخلت في معتركات غريبة منها قصص الحب غير المقنعة كما أسلفنا، وعدم التعامل بجدية أو حزم مع رامي من قبل عائلته رغم توريطهم لهم بكوارث شتى، والبيت الذي سكنت فيه العائلة وتحول خلال أيام لبيت مقبول جداً ليس “خرابة” كما صُوِّرَ لنا في الحلقات الأولى، عدا عن توجه العائلة من التمسك بتحقيق العدالة إلى محاولة الخروج من المآزق الإجرامية بأقل الخسائر، وحرب العصابات الدائرة كما في كل مسلسل معروض مؤخراً، لكن يبقى مشهد بسام كوسا وهو ينكر اسمه ونفسه ومهنته في النهاية من أجمل المشاهد التي يمكن أن تلخص العمل برمته وكيف من الممكن أن تتغير حياتنا برمشة عين.

في كل ما شاهدنا بدا العمل غريباً كاسمه، لا هوية واضحة له، وضائعٌ في قصص مركبة تخلو من المنطقية في كثير من الأحيان، لتظهر تجربة الكاتبتين لبنى حداد و لانا الجندي الثانية بعد مسلسل “عالحد” أضعف من الأولى، فرغم الثغرات في المسلسل الأول إلا أن حبكته كانت مسبوكة أكثر من الغريب، وتكمن الإيجابيات بتعرفنا على وجوه صافية ونقية وممثلين بأدوات جيدة رغم التفاوت، وموسيقى تصويرية صنعها زياد بطرس بشكل مختلف بحيث كرَّسَ موسيقى خاصة بكل مشهد تقريباً منعاً للتكرار، بالإضافة لمشاهدة بسام كوسا مع فرح بسيسو معاً بعد غياب وهو في الحقيقة أكثر ما شوَّقَ الناس لمتابعة المسلسل.

قد يعجبك ايضا