بسبب الحرب على غزة.. صحافيون يستقيلون أو يقالون

18 أكتوبر 2023

“نص خبر”-متابعة

مضايقات جمّة يتعرض لها عدد من الصحافيين العرب أو المؤيدين للقضية الفلسطينية في مختلف أنحاء العالم، وصولا الى طرد رسام كاريكاتير في صحيفة بريطانية عريقة، علما أنه يعمل لديها منذ 40 عاما، والسبب أنه تجرأ على انتقاد رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو. وبعد الضجة التي أحدثها أولئك الصحافيين، والذين خضعت تغريداتهم للحذف أو العقاب، نجح صحافيون في “بي بي سي” بإطلاق الصوت عاليا، علما أن بعضهم نال نصيبه من الفصل أو التوبيخ.

وكانت أكدت العديد من وسائل الإعلام توقيع استقالات في «بي بي سي» لمساهمتها في قصف مستشفى المعمداني.

وأثار استهداف مستشفى الأهلي المعمداني في قطاع غزة، من جانب قوات الكيان الإسرائيلي حالة من الغضب الشعبي في الكثير من دول العالم، بعد أن أسفرت الجريمة عن سقوط مئات الشهداء، وذلك بعد نشر «بي بي سي» تقريرا بعنوان «هل تبني حماس الأنفاق أسفل المستشفيات والمدارس؟»، وهو ما اعتبره الكثيرون حول العالم ذريعة لقصف المستشفى.

وكشفت وسائل إعلام بريطانية، أن إدارة هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” تُحقق مع 6 صحافيين وصحفيات عرب، يعملون لديها، بسبب تغريدات اعتبرت أنها “منحازة ضد إسرائيل، وأنها تبرر قتل المقاومة الفلسطينية لمن وصفتهم بـ”المدنيين الإسرائيليين”.

 

صحيفة “تليغراف” البريطانية أوضحت، السبت 14 أكتوبر، أن الأمر يتعلق بصحافيين من مصر ولبنان، ويتعلق الأمر بكل من محمود شليب، وسالي نبيل، وسلمى الخطاب، وعمرو فكري، وآية حسام (صحافية مستقلة) من القاهرة، وسناء الخوري وندى عبد الصمد من لبنان.

فيما أعلنت الـ”بي بي سي” أنها أوقفت العمل مع الصحافية المستقلة آية حسام، نقلت صحيفة التليغراف أن مراسلي المحطّة في الشرق الأوسط أيدوا تعليقات مثل أنّ حماس هم مقاتلون للحرية، أو تعليقات بأنّ عملية 7 أكتوبر هي “صباح الأمل”.

فيما غرّد أحدهم أنّ “سمعة إسرائيل تبكي في الزاوية”، وقام آخر بإعادة نشر فيديو لإسرائيليين يختبئون خائفين، بعنوان “المستوطنون يختبئون داخل حاوية خوفاً من مقاتلي المقاومة الفلسطينية”، والآخر يدعو “كل التوفيق لإخواننا الفلسطينيين في حربهم ضد الكيان الاحتلالي”.

واليوم أعلن الصحفي التونسي بسام بونني، استقالته من هيئة الإذاعة البريطانية، وكتب على حسابه على موقع “إكس” توتير سابقا، منذ قليل: “تقدمت صباح اليوم باستقالتي من هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، لما يحتمه عليّ الضمير المهني”.

وجاءت استقالة “بونني” بعد ساعات من مجزرة مستشفى المعمداني في غزة، الذي ارتكبها جيش الاحتلال وراح ضحيتها عشرات المئات من الشهداء والمصابين، منهم أطفال ونساء وشيوخ، ونالت تغريدة الصحفي التونسي تفاعلا كبيرا من جانب متابعيه، الذين أيدوه على قراره.

أيضاً استقال أحمد قوبا من عضوية هيئة القادة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابعة لـميتا بسبب حذف المنشورات على فيس بوك وانستغرام.

 

دويتشه فيله.. طرد بالجملة

قبل يومين، أعلنت شبكة “دويتشه فيله” الألمانية في مؤتمرٍ صحافي عقده مدير عام الشبكة، بيتر لمبورغ، الأسبوع الماضي، قرارها بفصل أربعة موظفين، ومتعاون، في القسم العربي، موجّهةً إليهم اتهامات بـ “معاداة السامية” و”العداء لإسرائيل”. ولاحقاً، فصلت المؤسسة موظفين اثنين إضافيين من بين ثمانية يتمّ التحقيق معهم للأسباب ذاتها، في حين قدّم محمد إبراهيم مدير الأخبار والتخطيط في القسم العربي استقالته بعد استقالة مدير القسم ناصر شرّوف. وفي حين يقرّ الصحافيون المصروفون عموماً بالتهمة الثانية معتبرين أنّ توجيهها إليهم إنّما يحجب وجدانهم حيال المظالم التي ارتكبتها إسرائيل في أوطانهم الأم، فإنّهم ينفون الاتهام الأوّل ويعتبرونه تأويلاً غير موضوعي لتغريدات ومواقف، بعضها نشر قبل سنوات من التحاقهم بالشبكة، وتمّ نزعها من سياق نشرها والإطار العام الذي تمّت فيه.

ومن البيّن أنّ الشبكة انتهت إلى هذا القرار بعد أشهر من ضغوط مارستها وسائل إعلامية عليها على خلفية مواقف قديمة لهؤلاء، بدليل أنها كانت من قبل تعاونت مع البعض منهم في تحرير إجاباتهم على المآخذ التي ساقتها تلك الوسائل ضدهم.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قررت المؤسسة وضع تعريف لمعاداة السامية وجعله ملزماً للعاملين في المؤسسة. والإشكال في التعريف أنه لا يشمل بحسب لمبورغ فقط رفض إنكار محارق الهولوكوست أو التقليل منها (وهو أمر مفهوم) لكن أيضاً “الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود”.

بدأ الضغط في قضية العاملين الخمسة بتحقيق نشرته صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية  ومقالاتٍ قديمة للصحافيين الخمسة التي صدرت القرارات بحقهم، وهم تباعاً الصحافي اللبناني باسل العريضي مدير مكتب “دويتشه فيله” في بيروت، ومرهف محمود محرر في القسم العربي، وهو سوري الجنسية، مقيم في ألمانيا، ومرام سالم، وهي صحافية فلسطينية مقيمة في ألمانيا، إضافة إلى فرح مرقة وهي أيضاً فلسطينية/أردنية مقيمة في ألمانيا أيضاً، إلى جانب الصحافي اللبناني داوود إبراهيم المتعاقد مع الشبكة.

باسل العريضي

والإثنين فصلت المؤسسة صحافيين فلسطينيين يحملان الجنسية الألمانية هما: زاهي علاوي الذي انضم إلى الشبكة قبل 17 عاماً وعمل في قسم الأخبار ومواقع التواصل والتدريب، وياسر أبو معيلق الذي التحق في الشبكة في العام 2010 وعمل في الموقع الإلكتروني وقسم الإعلام الجديد وتولّى إعداد وتقديم عدد من البرامج وانتقل إلى فريق مجلة “كيك”.

وبالتوازي قدّم محمد إبراهيم مدير الأخبار والتخطيط في القسم استقالته الأسبوع الفائت لكن لم يصرح عنها إلاّ بعد أيام. وكان مدير القسم العربي ناصر شروف قد قدّم استقالته أيضاً، وعلمت “المفكرة” من مصادر في المؤسسة أنّ الإثنين ما زالا يبحثان عن منصب جديد لهما في القناة بعيداً عن القسم العربي.

وكرّت بعدها سبحة التقارير الإعلامية الألمانية التي تهاجم “دويشته فيله” والقسم العربي فيها وتوجّه إليهما اتهامات عديدة على رأسها معاداة السامية. وفي حين اكتفت الصحيفة التي نشرت التقرير الأول بالحرفين الأوّلين من أسماء الصحافيين، نشرت وسائل إعلام أخرى أسماءهم الكاملة مما شكّل خطراً حقيقياً عليهم كون معظمهم يعيشون في ألمانيا.

بعد هذا التقرير، طلبت “دويتشه فيله” من العاملين الخمسة، في شهر كانون الأول الماضي، التوقّف عن العمل لحين إنجاز تحقيقاتها.

 

فرح مرقة

 

والمفارقة أنّ الصحيفة التي نشرت التقرير الأوّل بعثت برسائل إلى العاملين الخمسة لتسألهم عن المنشورات القديمة وعن مواقفهم من قضايا من بينها الصراع الفلسطيني الإسرائيل وإسرائيل والهولوكوست، وقد ردّ البعض منهم بالتنسيق مع “دويتشه فيله” وفق قولهم على الرسائل بشكل يوضّح سياقات المنشورات ويوضخ مواقفهم الفعلية من كل القضايا المذكورة.

بعد ذلك، تمّ تعيين لجنة مكوّنة من شخصين هما وزيرة العدل الألمانية السابقة، زابينه لويتهويزر شنارنبرغر والكاتب والأخصائي النفسي أحمد منصور. أصرّ باسل العريضي وداوود إبراهيم إبراهيم على إجراء المقابلة مع لجنة التحقيق بوجود طرف ثالث محايد وأن يتمّ تسجيلها منعاً لاجتزاء أي شيء منها (كما حصل في كيفية مع التغريدات التي استند إليها تقرير الصحيفة الألمانية)، ولكن رفضت اللجنة شروطهم مقترحةً الإجابة عن أسئلتها عبر البريد الإلكتروني، وهذا ما حصل. أما مرام سالم ومرهف محمود فوافقا على إجراء مقابلة شفهية عن بعد، وأفادا أنّ الأسئلة التي طرحت عادت بهم إلى طفولتهم وموروثاتهم وعقائدهم، فيما أصرّ عضوا اللجنة وفقهما على الاستفسار عن معنى تغريداتهما ومقالاتهما من دون الاستفسار عن مضامينها. أما فرح مرقة فردت على التحقيق بأسلوب مغاير عن زملائها الأربعة عبر نشر تسع مقالات كتبت فيها كلّ توقعاتها حول أسئلة اللجنة، رافضة التواصل معهم لا عبر البريد الإلكتروني ولا عبر المقابلة الشفهية. وقد صرّح الجميع للمفكرة أنهم أنكروا التهم الموجهة إليهم وعلى رأسها “معاداة السامية” وهي تهمة عنصرية[1] لا تنطبق على أي من التصريحات أو المقالات أو المواقف التي أطلقها الموظفون الخمسة موضوع تقرير الصحيفة الألمانية، فيما يندرج أي موقف لهم تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية في خانة حرية التعبير وهي حق من حقوق الإنسان.

واعتبر البعض منهم أنّهم كانوا كبش فداء لمعارك داخلية، سياسية، إعلامية، تمويلية وحتى تاريخية. إذ لم تتمكّن “دويتشه فيله” من الصمود في وجه الحملة الإعلامية التي شنّت ضدّها “ففضّلت الاستغناء عنّا” على حد قولهم.

 

 

 

قد يعجبك ايضا