الأدب يخفف من وطأة الضغوط الاقتصادية

20 أكتوبر 2023

صحافة العالم – سي ان بي سي

كتبت الكاتبة نهى علي في موقع سي إن بي سي مقالا حول علاقة الأدب بالاقتصاد جاء فيه: “يشير الكاتب والصحفي البيروفي “ماريو فارغاس يوسا” إلى أن الأدب هو أفضل ما تم اختراعه للوقاية من التعاسة.. معتبراً أنه أكثر الطرق اختصاراً لجعل الإنسان يعثر على سبيل للعودة إلى فطرته الأولى بحسب تعبيره”.

وعليه يدافع الأدباء عن تفوقهم بمجال التوصيف الدقيق للظواهر الاقتصادية، بأكثر مما تقوم به الأرقام. حيث يعتبرونها جافة وعسيرة على الفهم لأغلبية الناس. بينما تتجسد جمالية الروح الأدبية، بالمقدرة على قراءة وشرح ما تعكسه لغة الأرقام بيسر وبساطة. تتجلى الإمكانيات الأساسية للأدب بسهولة على توصيف الحياة اليومية للناس بكل تفاصيلها، والتي يصح أحياناً أن تكون مرجعية هامة في فهم تداعيات الأوضاع الاقتصادية لكل مرحلة.

عبر الأدب يعيش الاقتصاد حياته الإنسانية التي تطمسها الأرقام ثقيلةالظل، لأنه عند التعامل مع المفاهيم الاقتصادية وتقييم أوضاع الدول والشركات وحتى وضع الأفراد، يكون التركيز عادة على مفهوم الربح والملكية كقيمة عليا. كما يندرج تحت قوانين الاقتصاد، ما يمكن ترسيخه من مفاهيم على أنها ذات أبعاد إيجابية، مثل السيطرة على الأسواق والتحكم بالإنتاج وتسويقه وفقاً لقاعدة البقاء للأقوى. بينما يتخذ التشخيص الأدبي بعداً مختلفاً. حيث لا يمكن للأدب أن يفرض نفسه بالقوة إذا لم يفتح المتلقي الباب له بإرادته.

يدعو الأدب بالمجمل لملكية القناعة، مقابل ملكية أخرى مناقضة تتجلى أحياناً بالجشع والطمع. فالأدب يحاول

السيطرة على المادة وليس السيطرة بالمادة. ونحى بعض الفلاسفة إلى الربط بين اللغة والعملة. من حيث أنهما أساس الثروة المعرفية بالنسبة للأولى، والثروة المادية بالنسبة للثانية.

يميل أغلبية المهتمين بالاقتصاد للتقليل من المهارات التحليلية لمؤلفي الأدب والروايات، باعتبار أن الكثير من الأعمال الأدبية المشهورة تبدي ميلاً معاكساً لأفكار اقتصاد السوق. وعليه قامت بعض المراكز البحثية بمسح إحصائي،عن تعامل الأعمال الأدبية مع الأمور الاقتصادية، لتتوصل لنتيجة صادمة وهي مقدرة العمل الأدبي على وصف المفاهيم الاقتصادية بدقة عالية.

بات من الشائع في الآونة الأخيرة، أن نجد الاقتصاديين يقدمون أوراقهم وفصول في كتبهم، مع اقتباسات قصيرة من الأعمال الأدبية. قد يشير البعض إلى أن اللجوء لذلك قد يكون في جانب منه، لإعطاء إيحاء بسعة الإطلاع، وفي جانب آخر لإضفاء نوع من المتعة في سرد المفاهيم الاقتصادية وجعلها أكثر وضوحاً.

بهذا الإطار نجد الكاتب والمؤرخ الاسكتلندي توماس كالاريل يصف الاقتصاد بالعلم الكئيب، باعتبار أنه كان معاصراً لتوماس مالتوس ” الخبير الاقتصادي الذي تم وصفه بالمكتئب وصاحب النظرة التشاؤمية للمستقبل”. يعتبر مالتوس “المكتئب” أول أستاذ لمادة الاقتصاد في العالم. جاء ذلك بعد توليه لمنصب أستاذ التاريخ الحديث والاقتصاد السياسي في جامعه أسستها شركة الهند الشرقية. بالتعريج على الإسهامات التي رفد بها ذلك الرجل علم الاقتصاد، فقد اعتبرته الكثير من المراجع أول من قام بإجراء إحصاء تقني للسكان. بهذا الإطار نشر مالتوس مقالاً في عام 1798 ، عن مبدأ تزايد السكان وأثره على تقدم

المجتمع. على أساس تلك الدراسة، تم اعتباره المؤسس لنظرية ” تناقص الغلة”. تم تحميل تلك النظرية لاحقاً، معطيات تشاؤمية وكئيبة لما يمكن انتظاره في مستقبل البشر. باعتبار أن الزيادة السكانية ستتفوق على موارد الأرض. وللتذكير فإن تلك التنبؤات كانت في نهاية القرن الثامن عشر.

بالقدر نفسه يرى الكاتب رايموند وليامز، أن فهمنا للتطور الصناعى فى أوروبا لن يكتمل دون الرجوع إلى بعض الروايات التى كُتبت في منتصف القرن التاسع عشر. يشيد وليامز بتقديم تلك الأعمال صورة بالغة الحيوية، عن مظاهر الحياة فى مجتمع

صناعي. وعليه كان الاقتصاد البنية التحتية التي أسهمت بفعالية في تطور أشكال الفنون، وترسيخ القيم الثقافية، ونشوء الحركات الفكرية والنقدية. لا يقتصر تأثير الاقتصاد في الأدب على الشكل الأدبي فقط، بل يمتد تأثيره إلى مضمون النصوص ذاتها، فالوضع الاقتصادي للمجتمع، ينعكس على الرواية في وصف الأمكنة التي يقطنها أبطال الرواية، وطرائق حياتهم ومظهرهم الشخصي.

يمكن الجزم أن العلاقة على استمرارية الترابط بين الأدب والاقتصاد، تتجلى بمدى التأثر والتأثير المتبادل. فالحياة الاقتصادية وانعكاسها المباشر على الحياة الاجتماعية للإنسان ستظل المصدر الأكثر إيحاء للأدباء والمبدعين..

لكن يتميز الأدب بأنه ليس صورة فوتوغرافية للواقع، بل هو معالجة فنية وذهنية للأحداث بحيث تستلهم منها مادتها دون أن تكون أسيرة لها. وكما يقول الكئيب توماس كالاريل ” يوجد في الكتب روح كل الأزمنة الماضية”.

قد يعجبك ايضا