26 أكتوبر 2023
“نص خبر”-رولا عبدالله
تحتفظ الصحراء الأفريقية الكبرى بـ”جوهرة” مدفونة في الرمال، عبارة عن نيزك سقط على الأرض نتيجة تصادم كوني كبير حصل قبل 4.6 مليار سنة، ومنه تشكل النظام الشمسي، وبالتالي الأرض التي نقطنها.
جاء الاكتشاف الأول لـ”الصخور غير العادية”، والتي تحتوي على بلورات خضراء مميزة، في رمال بحر “عرق الشيش”، في أيار/مايو من عام 2020، وذلك في منطقة مليئة بالكثبان الرملية جنوبي الجزائر.
ولدى الفحص الدقيق، تبين أن الصخور جاءت من الفضاء الخارجي: كتل من الركام عمرها مليارات السنين، خلفتها ولادة النظام الشمسي.
كانت جميعها قطعًا من نيزك يُعرف باسم (Erg Chech 002)، وهو أقدم صخرة بركانية تم العثور عليها على الإطلاق، وقد ذابت منذ فترة طويلة في نيران بعض الكواكب الناشئة القديمة التي اختفت الآن.
ما الجديد؟
في بحث حديث نُشر في مجلة “نايتشر كوميونيكايشنز”، ونقله موقع “ذا كونفرذايش”، سعى العلماء الى تحليل نظائر الرصاص واليورانيوم في النيزك (Erg Chech 002)، ليتبين أن عمره لا يقل عن 4.56556 مليار سنة. ويعد تحديد هذا الرقم، بفارق خطأ ضئيل يقل أو يزيد عن 120 ألف عام، واحدًا من أدق الأعمار التي تم حسابها على الإطلاق لجسم من الفضاء.
الحياة السرية للألمنيوم
منذ حوالي 4.567 مليار سنة، تشكل نظامنا الشمسي من سحابة ضخمة من الغاز والغبار. ومن بين العناصر العديدة في هذه السحابة كان الألومنيوم، الذي جاء في شكلين.

الأول هو الشكل المستقر، الألومنيوم 27، والثاني هو الألومنيوم 26، وهو نظير مشع ينتج بشكل رئيسي عن طريق انفجار النجوم، والذي يضمحل بمرور الوقت إلى المغنيسيوم 26.
يعد الألومنيوم 26 مادة مفيدة جدًا للعلماء الذين يرغبون في فهم كيفية تكون النظام الشمسي وتطوره. ونظرًا لأنه يضمحل بمرور الوقت، يمكن استخدامه لتأريخ الأحداث، بخاصة خلال الأربعة أو الخمسة ملايين سنة الأولى من تشكل النظام الشمسي.
كما أن اضمحلال “الألومنيوم 26 ” مهم أيضًا لسبب آخر: نعتقد أنه كان المصدر الرئيسي للحرارة في النظام الشمسي المبكر. وقد أثر هذا الاضمحلال على ذوبان الصخور الصغيرة البدائية التي تجمعت فيما بعد لتشكل الكواكب.
اليورانيوم والرصاص
ومع ذلك، لاستخدام “الألومنيوم 26” لفهم الماضي، بحسب الدراسة، نحتاج إلى معرفة ما إذا كان منتشرًا بشكل متساوٍ أو متجمعًا معًا بشكل أكثر كثافة في بعض الأماكن مقارنة بأماكن أخرى. لمعرفة ذلك، سنحتاج إلى حساب الأعمار المطلقة لبعض الصخور الفضائية القديمة بشكل أكثر دقة. كيف ذلك؟
توضح محررة المقالة العلمية في الموقع “جو أديتونجي” أن “النظر إلى الألومنيوم 26 وحده لن يسمح لنا بذلك، لأنه يضمحل بسرعة نسبية (بعد حوالي 705000 سنة، ستضمحل نصف عينة من الألومنيوم 26 إلى مغنيسيوم 26). ومن المفيد تحديد الأعمار النسبية للأشياء المختلفة، ولكن ليس عمرها المطلق بالسنوات. ولكن إذا قمنا بدمج بيانات الألومنيوم 26 مع بيانات حول اليورانيوم والرصاص، يمكننا تحقيق بعض التقدم”.

وتضيف: “هناك نظيران مهمان لليورانيوم (يورانيوم-235 ويورانيوم-238)، يتحللان إلى نظائر مختلفة للرصاص (رصاص-207 ورصاص-206، على التوالي). تتمتع نظائر اليورانيوم بنصف عمر أطول بكثير (710 مليون سنة و4.47 مليار سنة، على التوالي)، مما يعني أنه يمكننا استخدامها لمعرفة المدة التي مضت منذ وقوع حدث ما”.
مجموعات النيازك
“أرج شيش 002″( Erg Chech 002 ) هو ما يعرف باسم “االأنكوندريتات غير المجمعة”. والأكوندريت صخور تشكلت من الكواكب المصغرة المنصهرة، وهي ما نسميه الكتل الصلبة في سحابة الغاز والحطام التي شكلت النظام الشمسي. وقد تم تحديد مصادر العديد من الأكوندريت الموجودة على الأرض. وينتمي معظمها إلى ما يسمى بنيازك الأوكريت والديوجينيت والهوارديت، والتي يُعتقد أنها نشأت من الكوكب “فيستا 4″، أحد أكبر الأجسام في حزام الكويكبات ضمن مدار الشمس. وهناك مجموعة أخرى من الأكوندريت تسمى الأنغريت، والتي تشترك جميعها في صلة نسب مجهولة. ولا تزال هناك نيازك زجاجية من الأكوندريت، بما في ذلك “أرج شيش 002″، مجهولة النسب.

توزع الألومنيوم بشكل تكتلات
يوضح القيمون على الدراسة: “في دراستنا لـ “أرج شيش 002″، وجدنا أنه يحتوي على وفرة عالية من الرصاص 206 والرصاص 207، بالإضافة إلى كميات كبيرة نسبيًا من اليورانيوم 238 واليورانيوم 235 غير المتحلل. وكان قياس نسب جميع نظائر الرصاص واليورانيوم هو ما ساعدنا على تقدير عمر الصخرة بهذه الدقة غير المسبوقة. وقمنا أيضًا بمقارنة الأعمار المحسوبة مع بيانات الألومنيوم 26 المنشورة مسبقًا، بالإضافة إلى البيانات الخاصة بمختلف أنواع الأكوندريت الأخرى. وجاءت المقارنة مع مجموعة من الأكوندريت تسمى الأنغريت البركاني مثيرة للاهتمام بشكل خاص. لقد وجدنا أن الجسم الأصلي لـ”أرج شيش 002″ لا بد أن يكون قد تشكل من مادة تحتوي على ثلاثة أو أربعة أضعاف كمية الألومنيوم 26 الموجودة في مصدر الجسم الأصلي لأنغريت. وهذا يدل على أن الألومنيوم 26 قد تم توزيعه بشكل غير متساوٍ في جميع أنحاء سحابة الغبار والغاز التي شكلت النظام الشمسي”. ماذا يعني ذلك؟
تفضي هذه النتائج إلى فهم أفضل للمراحل التنموية الأولى للنظام الشمسي، والتاريخ الجيولوجي للكواكب الناشئة. مما لا شك فيه أن الدراسات الإضافية لمجموعات الأكوندريت المتنوعة ستستمر في تحسين هذا الفهم وتعزيز القدرة على إعادة بناء التاريخ المبكر للنظام الشمسي.