28 أكتوبر 2023
مريم شومان – نص خبر
تابعنا في نص خبر الحال من الداخل الفلسطيني وقطاع غزة، وطلبنا من الأستاذة مريم شومان، الصحفية والباحثة في الإعلام الرقمي إن توضح لنا ماذا يجري في الداخل على كل الأصعدة. فكتبت لنا فجر هذا اليوم:
عندما تصبح الكلمة أثقل من إمكانية صياغتها، وعندما تخون اللغة كل مشاعر الألم والقهر والغضب والحزن والعجز والانتظار، وعندما نقضي جلّ وقتنا عين على شاشات التلفزيون وعين على مواقع التواصل الاجتماعي نتابع مجريات الأحداث التي بدأت كحرب ضارية على قطاع غزة ثم ما لبثت أن تحولت لإبادة جماعية بحق المواطنين العزّل في القطاع أوقعت ولا تزال آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى ومئات المفقودين ممن هم تحت أنقاض ما تبقّى من القطاع المدمّر في مشهد شبه سينمائي في فيلم رعب لمدينة أشباح تفوح منها رائحة الموت من كل زاوية وفي كل شارع، أبراج من عشرات الطوابق تتهاوى على رؤوس ساكنيها.
كل متر في قطاع غزة مهدد بالخروج من خريطة المدينة، لا مكان آمن البتّة؛ لا مستشفى، لا مسجد، لا كنيسة، لا مدرسة، لا منشأة تابعة للأونروا، لا مكان على الإطلاق في ظل ظروف معيشية وإنسانية كارثية تحت مرأى العالم أجمع على مدار 22 يوماً.

مشاهد مكتوبة من الحرب
-1-
غزة تغرق في ظلام رقمي
في جريمة أخرى تضاف للجرائم الفظيعة التي لا زال الاحتلال الإسرائيلي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني قطع الانترنت والاتصالات عن غزة منذ لا يقل عن 20 ساعة ولا زال مستمرا للحظة، ليصبح القطاع خارج نطاق التواصل مع العالم الخارجي إلا اللهم ما تلتقطه كاميرات بعض الصحفيين والقنوات الإخبارية لتنقل لنا مشاهد الإبادة الجماعية والمذابح التي يقوم بها رابع أقوى جيش بالعالم بحق الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة، عشرات الشهداء، ومئات الجرحى في حصيلة غير نهائية تحدث عنها الصحفيون، لا يمكن لسيارات الإسعاف تحديد أماكن الجرحى لانعدام الاتصال، ولا يمكن لطواقم الدفاع المدني انتشال المفقودين تحت الأنقاض لذات السبب، أضف لذلك انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة ولكم أن تتخيلوا المشهد.
ما كنا نراه بحسرة وألم وقهر مما يوثقه الصحفيون والناشطون الشباب المحتل وحدهم دون أن يسمع الاحتلال وقع سقوط الصواريخ فوقهم، ودون أن يشاهد آثار الدمار الهائل فوق رؤوسهم ودون أن يسمع صرخات استنجادهم. المواطنون في قطاع غزة الآن في تيه مرعب فهم وفي ظل انقطاع الانترنت لا يستطيعون نعرفة الأماكن الآمنة نسبيا للجوء إليها هربا من القصف المستمر، وهم أيضا في عزلة عن العالم الذي ينقل أخبارهم عبر وسائل الإعلام التقليدي بسبب انقطاع الكهرباء والوقود لديهم. كما أن أهالي المواطنين ممن يعيشون خارج القطاع باتوا في قطيعة تامة عن التواصل مع أقاربهم وذويهم في معاناة مضاعفة وقلق يأكل قلب الإنسان وروحه.
-2-
عدوان في الساحة وحرب في الفضاء الالكتروني
في عصر إعلام مواقع التواصل الاجتماعي أصبح الهاشتاغ والتغريدة ومنشورات فيسبوك بمختلف أشكالها والقصص المصورة (FB/ Instagram story) والبث المباشر عبرهما وعلى تيكتوك أسلحة فعالة لها أهميتها التي تدفع بدولة الاحتلال الإسرائيلي لتنفق أكثر من 7 ملايين دولار في غضون 10 أيام منذ بدء الحرب لتمويل فيديوهات تروج روايتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي فقط في كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ناهيك عن آلاف الدولارات التي تعرضها على مئات المؤثرين والنشطاء الأجانب حول العالم ليدعموا دولة الاحتلال عبر صفحاتهم على مختلف المنصات، والعديد منهم تحدث عن تلقيهم رسائل عبر البريد الالكتروني من”جيش إسرائيل الالكتروني” يطالبهم بالتوقف عن دعم الفلسطينيين، وتبني رواية الاحتلال في مقابل تلقي 10آلاف دولارعن الفيديو الواحد، الأمر الذي قوبل برفض بيع أخلاقفهم مقابل رواية كاذبة وزائفة.
آلاف الحسابات الوهمية التي أنشأتها دولة الاحتلال بالتزامن مع قطع الانترنت في قطاع غزة الهدف منها نشر الفتنة الداخلية وبث الإشاعات والكذب، وترويع المواطنين في ظل انقطاعهم عن العالم الخارجي، وفي ظل توقف الصحفيين والمواطينين الغزيين من توثيق الانتهاكات التي تُجرى بحقهم واستحالة بثها عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي يقود دولة الاحتلال لارتكاب مزيد من الجرائم بلا حسيب أو رقيب.
وللتذكير؛ وكما في كل حرب إسرائيلية على الوطن والمواطن الفلسطيني، يتزايد تواطؤ شركات مواقع التواصل الاجتماعي سيما شركة ميتا التي حذفت 795 ألف منشور عبر منصتي فيسبوك وانستجرام في غضون الأيام الثلاثة الأولى من بدء الحرب على قطاع غزة، كما حظرت عدة وسوم على انستجرام كما عملت على مراجعة حسابات من العام 2021 وقامت بحذفها وأزالت المنشورات التي تعتقد أنها ذات صلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
كما وضعت شركة ميتا منصة تيكتوك مصطلح ” من البحر إلى النهر” كجملة واحدة في بند الحظر تحت معيار معاداة السامية، وبحسب مركز صدى سوشال تم رصد أكثر من 8 آلاف إجراء تقييدي بحق المحتوى الفلسطيني تمثلت بالحجب والتقييد والحجب وحذف الحسابات، يأتي ذلك كلع في خطوة واضحة من مواقع التواصل الاجتماعي للاصطفاف إلى جانب الجلّاد على حساب المدننيين العزّل وتستمر في مسلسل قمعها المحتوى الرقمي الفلسطيني لإسكات الحقيقة والتعمية على فظائع الاحتلال، وجعل وصول المحتوى الرقمي الفلسطيني والمؤيد للسردية الفلسطينية في الحد الأدنى منه، في محاولة لطمس الهوية الفلسطينية رقميا إلى جانب محاولات حكومة الاحتلال القضاء على كل ما هو فلسطيني على الأرض.