دون نقاش.. غزة تنتصر في تغيير الرأي العالمي
21 نوفمبر 2023
خاص – نص خبر
رغم الحشد الإعلامي والضغوطات الفكرية التي يمارسها اللوبي الصهيوني العالمي على كبار المفكرين والمبدعين والنجوم حول العالم، إلا أن العالم قلب الطاولة على الرواية الصهيونية التي تتبنى مظلومية الهولوكوست والإبادات الجماعية التي تعرضت لها بعد فعلها الإجرامي الهائل في غزة.
لم يعد العالم يحتمل المزيد من روايات الكيان الصهيوني الكاذبة، وقد رأينا كيف وقفت الأقلام في وجه مفكر وفيلسوف كبير مثل هابرماس الألماني الذي أعلن وقوفه مع إسرائيل، ورأينا كيف وقف جمهور الأوروغواي في وجه اللوبي الصهيوني الذي حاول منع حفلة لفرقة البينك فلويد المؤيدة لفلسطين، بل ورأينا تحول الموقف الأمريكي اليميني اتجاه ما يحصل من مجازر. هذا دون ذكر الداخل “الإسرائيلي” الذي بدأ بمراجعة رواية الجيش حول قصف مستشفى الشفاء وما كتبته الهاآريتس من تكذيب وجود أنفاق ومركز للعمليات العسكرية جملةً وتفصيلاً.
البارحة، نشرت صحيفة “لوس أنجليس تايمز” مقالاً في منتهى الأهمية لأستاذ دراسات الهولوكوست والإبادة بجامعة ستوكتون بنيوجرسي في الولايات المتحدة “راز سيغال” تحدث فيه عن الكيفية التي يرى فيها باحث بالإبادة العنف الجماعي في غزة.
وبدأ سيغال مقالته بالقول إنه لا يستطيع التوقف عن التفكير بالرهائن لدى حماس والجهاد الإسلامي في الأنفاق تحت الأرض في غزة، في الوقت الذي قتلت فيه الهجمات الإسرائيلية أكثر من 4500 طفل فلسطيني. وأوضح أن “وقف العنف وعودة الرهائن هو أمر ملح لأي شخص يقدر الحياة الإنسانية. وصعوبة تخيل حدوث هذا ينبئ بحقيقة رهيبة، لأن من لديهم القوة للتأثير وإحداث تغيير يرفضون الاعتراف بإنسانية كل الناس”.
وتابع سيغال “لا يوجد شك بانتشار فكرة تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم في المجتمع الإسرائيلي قبل هجمات 7أكتوبر. فقد بيعت القمصان التي طبعت عليها صور نساء فلسطينيات حوامل وأطفال فلسطينيين كأهداف عسكرية. وتميزت “مسيرات الأعلام” السنوية للمستوطنين في القدس بهتافات “الموت للعرب”. ويردد الأطفال الإسرائيليون الذي لا تتجاوز أعمارهم عن 13 عاما الأغاني المعادية للفسلطيينين مثل أغنية “آمل أن تحرق قريتك”.
واليوم، بات الساسة والمجتمع والإعلام في إسرائيل كله يدعو إلى لغة إبادية ضد الفلسطينيين في غزة، من اللغة التي تجردهم من إنسانيتهم والتي استخدمها وزير الدفاع يواف غالانت “حصار شمال” لغزة حيث أشار لسكانها بـ”الحيوانات البشرية” إلى الصحافيين الذين دعوا لتحويل القطاع إلى “مسلخ” للأعلام المعلقة على الجسور في تل أبيب وتدعو “لمحو غزة”.
واستخدم قادة دولة إسرائيل ووزراء الحرب والضباط البارزون في الجيش وأشخاص بسلطة قيادية اللغة هذه عدة مرات منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر بطريقة تحتوي على “نية التدمير” حسب ميثاق الأمم المتحدة لمنع ومعاقبة جريمة الإبادة.
في 13 نوفمبر تقدم مركز الحقوق الدستورية بدعوى قضائية ضد الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية انطوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن لتواطئهم مع تلك الإبادة. وقدمت الدعوى في محكمة فدرالية بسان فرنسيسكو بالإنابة عن أفراد ومنظمات فلسطينية. وطالبت الدعوة من المتهمين التوقف عن “تقديم المزيد من الأسلحة والمال والدعم الدبلوماسي لإسرائيل نظرا لأن هناك إبادة جارية ترتكبها دولة إسرائيل ضد سكان مدنيين في غزة، وعلى قادة الولايات المتحدة واجب قانوني لمنعها وليس توسيع هذه الجريمة الخطيرة”، حسب المركز. وشملت الدعوى على تقرير لثلاثة باحثين في الهولوكوست والإبادة، فيكتوريا سانفورد وباري تراتشتينبغرغ وجون كوكس.
وأكدوا هؤلاء في تقريرهم أن “مستوى الدمار والقتل في حوالي شهر إلى جانب اللغة الداعية للإبادة وعبر عنها قادة إسرائيل والجنرالات البارزين لا تؤشر إلى استهداف أفراد حماس ومقاتليها وأهداف عسكرية لحماس، لكن وأطلقت العنان للعنف ضد الفلسطينيين في غزة، كما في لغة ميثاق الأمم المتحدة للإبادة”.
ويعلق الكاتب أن التقييم الذي قدمه باحثون بارزون في دراسات الهولوكوست والإبادة دقيق، فغزة تشبه المدن الأوكرانية بعد القصف والغزو الروسي لها، لكن مستوى التدمير والقتل في شهر تفوق على ما رأيناه في أوكرانيا على مدى عامين تقريبا.
وقارن الكاتب بموقف أمريكا من الحرب الأوكرانية، حيث تكشف أرقام الأمم المتحدة لشهر سبتمبر أن الهجمات الروسية قتلت أقل من 10 آلاف مدني منذ فبراير 2022، وجرحت عددا فوق 17500 ، بينما قتلت إسرائيل حتى الآن نحو 13 ألف فلسطيني وجرحت 30 ألفا تقريبا. ومن المهم أن بايدن وصف الهجمات الروسية على أوكرانيا بأنها “إبادة” في 12 أبريل 2022 حيث علق قائلا “سنترك المحامين ليقرروا إن كانت كافية لاعتبارها قصدا أو غير ذلك، ولكنها تبدو كذلك لي”. وبنفس السياق، فإن أمر غالانت بـ “حصار شامل” إلى جانب الترحيل القسري لأكثر من 1.5 مليون نسمة من مجموع 2.3 مليون نسمة في غزة، خلق ما يشبه إبادة. وبالتأكيد يواجه سكان غزة “موتا بطيئا” من الجوع والعطش ويعتمدون على قطعتين من الخبز وثلاث لترات ماء للشخص في اليوم، أي بأقل من 97 لتر على الأقل يحتاجها الإنسان يوميا، حسب منظمة الصحة العالمية.
كما أن غياب المياه النظيفة والازدحام الكبير في جنوب غزة، حيث مئات الآلاف من الفلسطينيين نزحوا من الشمال، قد زاد من مخاطر انتشار الأمراض المعدية. ونقص الوقود والإمدادات الطبية وعمليات الجيش الإسرائيلي داخل مستشفى الشفاء حول الجنوب إلى مركز موت جماعي. وطالما استمرت إسرائيل بقصف جنوب القطاع، فلا مكان آمن من الهجوم الإسرائيلي على غزة، وهذا ما تنص عليه المادة 2 (سي) من ميثاق الإبادة الصادر عن الأمم المتحدة: “التعريض المقصود لمجموعة من الناس لظروف تهدف إلى تدميرها كليا أو جزئيا”.
الكاتب المختص في جرائم الإبادة خلص إلى نتيجة مهمة، قائلاُ: من منظوري كيهودي وإسرائيلي وباحث في دراسات الهولوكوست والإبادة، ولاحظت أن العنف الإسرائيلي الجماعي ضد الفلسطينيين نابع من من الهوية الجديدة الداعية لتفوق العنصر اليهودي، والمرتبطة بإنشاء دولة إسرائيل عام 1948، ولاحظت أيضا أن دعاة التفوق العرقي الأبيض في أوروبا والولايات المتحدة يستلهمون من ممارسات الدولة اليهودية الداعية للتفوق ورغم كراهيتهم العميقة لليهود في أوروبا والولايات المتحدة. ففي الوقت الذي يعمل فيه حلفاء إسرائيل على تصوير النقد لسياسات إسرائيل والعنف ضد الفلسطينيين بأنه معاداة للسامية، فإن أعظم داعمي إسرائيل مثل الداعي للتفوق العرقي الأبيض ريتشارد سبنسر ورئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان من المعادين للسامية”.
و”هذه الحقيقة الرهيبة يجب أن توجه نظرنا نحو الكفاح التاريخي ضد معاداة السامية قبل إنشاء دولة إسرائيل عام 1948، فقد كان كفاحا يهدف لحماية مجموعة عاجزة من دول قوية، وليس الدفاع عن هجوم دولة قوية ضد مجموعة عاجزة، وكان كفاحا للناس كي يعيشوا بكرامة في المجتمع يتم احترام إنسانية كل فرد وليس من أجل شرعنة دولة يدعو القادة السياسيون والإعلام إلى محو أماكن وشعب”.
ويختم سيغال قائلا:” تخيل مستقبلا محتملا، أبعد من إسرائيل الداعية لتفوق العنصر اليهودي، وبالنسبة لي فعل سياسي متجذر في التواريخ اليهودية والهويات اليهودية وهذا ليس بعيدا عنا. وتؤشر إلى الحاجة الماسة لتسليط الضوء على الأصوات الفلسطينية وشرعنتها في وجه محاولات الشيطنة والإسكات لهم، والدعوة لوقف إطلاق النار وعودة كل الرهائن في غزة والسجناء السياسيين الذين تعتقلهم إسرائيل والتأكيد على الحقيقة والعدل والمساواة للجميع ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط”.